أزمة الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة: الأسباب والتداعيات
يواجه النظام السياسي في الولايات المتحدة تحديًا متكررًا يُعرف بـ الإغلاق الحكومي (Government Shutdown)، وهو حالة تتوقف فيها الخدمات الحكومية الفيدرالية غير الأساسية عن العمل بسبب فشل الكونغرس في إقرار قوانين تمويل للسنة المالية الجديدة. لا يعد هذا الإغلاق مجرد قضية إدارية، بل هو انعكاس للاستقطاب السياسي الحاد، وغالبًا ما يُستخدم كأداة ضغط في الصراعات بين الأحزاب السياسية والبيت الأبيض، مما يترك تداعيات واسعة على الاقتصاد والمواطنين.

خلفية الأزمة: كيف يحدث الإغلاق؟
ينص الدستور الأمريكي على أن إنفاق الأموال الفيدرالية يتطلب موافقة من مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ) وتوقيع الرئيس. تبدأ السنة المالية للحكومة الفيدرالية في الأول من أكتوبر من كل عام. قبل هذا التاريخ، يجب على الكونغرس تمرير 12 مشروع قانون للإنفاق لتغطية نفقات جميع الوكالات والإدارات الحكومية. إذا فشل المشرعون في الاتفاق على ميزانية كاملة، يمكنهم اللجوء إلى حل مؤقت يُعرف بـ "القرار الاستمراري" (Continuing Resolution)، الذي يمول الحكومة بالمستويات الحالية لفترة قصيرة، مما يمنحهم مزيدًا من الوقت للتفاوض.
يحدث الإغلاق عندما ينقضي الموعد النهائي دون إقرار ميزانية جديدة أو قرار استمراري. في هذه الحالة، يتم تصنيف الخدمات الحكومية إلى "أساسية" و"غير أساسية". تستمر الخدمات الأساسية، مثل تلك المتعلقة بالأمن القومي ومراقبة الحركة الجوية والضمان الاجتماعي، في العمل. أما الخدمات غير الأساسية، مثل إدارة المتنزهات الوطنية ومعالجة طلبات جوازات السفر والبحوث العلمية، فتتوقف، ويتم إرسال مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين إلى إجازة إجبارية دون أجر.
أبرز الأسباب والخلافات السياسية
على مر العقود، تحولت مفاوضات الميزانية من عملية روتينية إلى ساحة معركة سياسية. غالبًا ما تنشأ الخلافات التي تؤدي إلى الإغلاق من قضايا لا تتعلق بالميزانية بشكل مباشر، حيث يحاول أحد الطرفين ربط التمويل الحكومي بتمرير أو عرقلة سياسات معينة. تشمل أبرز نقاط الخلاف التاريخية ما يلي:
- حجم الإنفاق العام: صراعات مستمرة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول مستويات الإنفاق على البرامج الاجتماعية مقابل الدفاع، وحجم الدين العام.
- قضايا سياسية مثيرة للجدل: استُخدم التهديد بالإغلاق للضغط في قضايا مثل إصلاحات الرعاية الصحية (قانون الرعاية الميسرة)، وسياسات الهجرة، وتمويل الجدار الحدودي، كما حدث خلال الإغلاق الأطول في تاريخ الولايات المتحدة في 2018-2019.
- الانقسام الحزبي: يزداد خطر الإغلاق عندما تكون السيطرة على البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس منقسمة بين الحزبين، مما يجعل التوصل إلى تسوية أمرًا صعبًا للغاية.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
لا يقتصر تأثير الإغلاق الحكومي على الموظفين الفيدراليين، بل يمتد ليؤثر على الاقتصاد الأمريكي بأكمله. يؤدي توقف الرواتب إلى انخفاض إنفاق المستهلكين، كما تتأثر الشركات الخاصة التي تتعاقد مع الحكومة. يتسبب الإغلاق أيضًا في تباطؤ النمو الاقتصادي، حيث تشير التقديرات إلى أن كل أسبوع من الإغلاق يكلف الاقتصاد مليارات الدولارات. على سبيل المثال، قد يتسبب نقص الموظفين في المطارات في تأخير آلاف الرحلات الجوية، مما يؤثر على قطاعي السفر والسياحة. كما أن حالة عدم اليقين السياسي تزعزع ثقة المستثمرين والأسواق المالية، وتضر بسمعة الولايات المتحدة كقوة اقتصادية مستقرة.
لهذا السبب، يمثل تجنب الإغلاق الحكومي أولوية قصوى للمشرعين، ولكن الانقسامات الأيديولوجية العميقة تجعل من التوصل إلى حلول دائمة أمرًا يزداد صعوبة، مما يبقي شبح الإغلاق قائمًا مع اقتراب كل موعد نهائي للميزانية.





