أزمة الخط الأصفر: إسرائيل في مواجهة مقاتلي حماس المحاصرين بغزة
في تطور جديد يعكس تعقيدات الصراع في قطاع غزة، تواجه القوات الإسرائيلية معضلة عسكرية وأمنية متنامية تُعرف إعلامياً بـ"أزمة الخط الأصفر". تتعلق هذه الأزمة بوجود مقاتلين من حركة حماس محاصرين في مناطق داخل القطاع أعلنت إسرائيل سيطرتها عليها، مما يضع الجيش الإسرائيلي أمام خيارات صعبة للتعامل مع هذا التهديد المستمر.

ما هو "الخط الأصفر"؟
لا يمثل "الخط الأصفر" حداً جغرافياً رسمياً أو معترفاً به، بل هو مصطلح عمليّاتي يستخدم لوصف المناطق التي توغلت فيها القوات الإسرائيلية خلال عملياتها البرية في قطاع غزة، وأنشأت فيها مناطق سيطرة أمنية. تعمل هذه المناطق، التي تفصل القوات الإسرائيلية عن التجمعات السكانية الفلسطينية الكبرى، كشريط عازل يهدف إلى منع مقاتلي حماس من إعادة تنظيم صفوفهم أو شن هجمات ضد القوات المتمركزة في العمق.
وفقاً لتحليلات عسكرية وتقارير ميدانية صدرت في الأشهر الأخيرة، تم إنشاء هذه المناطق كجزء من استراتيجية إسرائيلية لتقسيم القطاع وتفكيك البنية العسكرية لحماس. إلا أن طبيعة القتال غير المتكافئة وشبكة الأنفاق الواسعة سمحت ببقاء جيوب مقاومة خلف الخطوط الأمامية للجيش الإسرائيلي.
تفاصيل الأزمة: المقاتلون المحاصرون
مع تقدم القوات الإسرائيلية وإعادة تموضعها في مناطق مختلفة من القطاع، مثل شمال غزة ومحيط خان يونس، وجد بعض مقاتلي حماس أنفسهم معزولين خلف ما بات يعرف بـ"الخط الأصفر". هؤلاء المقاتلون لم ينسحبوا أو يُهزموا بالكامل، بل استمروا في العمل كمجموعات صغيرة ومنفصلة، معتمدين على ما تبقى من شبكات الأنفاق ومخابئ الأسلحة لشن هجمات مباغتة.
تشكل هذه المجموعات تهديداً مستمراً للقوات الإسرائيلية، حيث تنفذ عمليات قنص وزرع عبوات ناسفة وإطلاق قذائف مضادة للدروع. هذا الوضع يقوض الادعاءات الإسرائيلية بتحقيق السيطرة العملياتية الكاملة على هذه المناطق، ويحول الصراع إلى حرب استنزاف طويلة الأمد في مناطق كان يُفترض أنها أصبحت آمنة نسبياً للقوات الإسرائيلية.
المعضلة العسكرية الإسرائيلية
تجد القيادة العسكرية الإسرائيلية نفسها أمام خيارات محدودة وخطيرة للتعامل مع المقاتلين المحاصرين، حيث لكل خيار تداعياته السلبية. تتلخص الخيارات الرئيسية في النقاط التالية:
- المواجهة المباشرة والتطهير: يتضمن هذا الخيار إرسال وحدات من المشاة والقوات الخاصة لتمشيط هذه المناطق بشكل منهجي، وتطهير كل مبنى ونفق مشتبه به. بالرغم من أن هذا الحل قد يكون الأكثر فعالية على المدى الطويل، إلا أنه يعرض الجنود الإسرائيليين لخطر كبير ويحتمل أن يؤدي إلى وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوفهم.
- الحصار والتدمير عن بعد: يقوم هذا الخيار على عزل هذه الجيوب بشكل كامل وفرض حصار عليها لقطع الإمدادات، بالتزامن مع استخدام القوة الجوية والمدفعية الثقيلة لتدمير البنى التحتية التي يستخدمها المقاتلون. هذه الاستراتيجية، التي تلمح إليها عبارة "الدفن بالخرسانة"، تثير انتقادات قانونية ودولية حادة بسبب الدمار الهائل الذي قد تلحقه بالمناطق المدنية واحتمال وقوع ضحايا من غير المقاتلين.
- القبول بالأمر الواقع: يتمثل هذا الخيار في احتواء التهديد بدلاً من القضاء عليه، من خلال الحفاظ على وجود عسكري دفاعي حول هذه المناطق ومنع المقاتلين من التوسع. لكن هذا الحل يعني قبول وجود تهديد أمني دائم، ويجعل القوات الإسرائيلية عرضة لهجمات مستمرة، مما يؤثر على معنويات الجنود ويستنزف الموارد.
الأهمية والتداعيات
تبرز أزمة "الخط الأصفر" حقيقة أساسية في هذا الصراع، وهي صعوبة ترجمة التفوق العسكري التقليدي إلى سيطرة أمنية فعلية ومستدامة في بيئة حرب عصابات معقدة مثل غزة. إن بقاء مقاتلي حماس نشطين في مناطق يفترض أنها تحت السيطرة الإسرائيلية يشكك في مدى نجاح الأهداف المعلنة للحملة العسكرية، وعلى رأسها القضاء الكامل على قدرات حماس العسكرية.
على المستوى الاستراتيجي، تشير هذه الظاهرة إلى أن الصراع قد يدخل مرحلة جديدة من القتال منخفض الحدة والمستمر، وهو سيناريو تخشاه إسرائيل لأنه قد يحول غزة إلى مستنقع طويل الأمد. كما أن هذه المعضلة تضع ضغوطاً سياسية إضافية على الحكومة الإسرائيلية، التي تواجه مطالب داخلية بتحقيق نصر حاسم وواضح، وفي الوقت نفسه تواجه تدقيقاً دولياً متزايداً بشأن تكتيكاتها العسكرية في القطاع.





