دلالات ملف رفات الرهائن وتأثيره على مسار مفاوضات غزة
أصبح ملف الرهائن الذين تحتجزهم حركة حماس في قطاع غزة، وتحديداً مصير من يُعتقد أنهم لقوا حتفهم، نقطة محورية وشديدة الحساسية في الصراع الدائر والمفاوضات المتعثرة لوقف إطلاق النار. فكلما أعلنت إسرائيل عن استعادة رفات أحد الرهائن، أو نشرت حماس معلومات حول مصيرهم، تتجدد الأسئلة حول الدوافع السياسية والرسائل المتبادلة بين الطرفين، وتأثير ذلك على الجهود الدبلوماسية الرامية لإنهاء الأزمة.

خلفية الأحداث
في أعقاب الهجوم الذي قادته حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، تم احتجاز ما يزيد عن 240 شخصاً كرهائن. ومع مرور الوقت، أصبح مصير هؤلاء الرهائن أحد أكثر القضايا تعقيداً في الصراع. بينما تم إطلاق سراح العشرات خلال هدنة مؤقتة في نوفمبر 2023، بقي العشرات في الأسر. وتشير التقديرات الاستخباراتية الإسرائيلية إلى أن عدداً كبيراً منهم لم يعودوا على قيد الحياة، مما حوّل الجهود من تحرير الأحياء إلى استعادة رفات القتلى، وهو ما يمثل واجباً وطنياً ودينياً في إسرائيل.
التطورات الأخيرة: عمليات استعادة الجثامين
شهدت الأسابيع الأخيرة سلسلة من الإعلانات التي سلطت الضوء على هذا الملف. ففي منتصف مايو 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي عن تمكنه من استعادة جثامين ثلاث رهائن خلال عملية عسكرية خاصة في جباليا شمال قطاع غزة، وهم: شاني لوك، وعميت بوسكيلا، وإسحاق غليرنتر. وبعد أيام قليلة، تم الإعلان عن استعادة رفات رهينة رابع. وأكدت السلطات الإسرائيلية أن هذه العمليات استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة تم الحصول عليها خلال التحقيقات والعمليات الميدانية، مشددة على التزامها بإعادة جميع الرهائن، سواء كانوا أحياءً أم أمواتاً.
الرسائل السياسية والدلالات
لا يمكن فصل التعامل مع ملف رفات الرهائن عن الحرب النفسية والسياسية بين حماس وإسرائيل. فلكل طرف رسائله وأهدافه من وراء كيفية إدارة هذا الملف الشائك.
- من جانب حماس: يُنظر إلى أي معلومات تصدرها الحركة حول مصير الرهائن، سواء عبر مقاطع فيديو أو بيانات، على أنها أداة ضغط نفسي على المجتمع الإسرائيلي وحكومته. تهدف هذه الرسائل غالباً إلى إظهار أن العمليات العسكرية الإسرائيلية هي التي تتسبب في مقتل الرهائن، في محاولة لإثارة الرأي العام ضد حكومة نتنياهو ودفعها لتقديم تنازلات أكبر في المفاوضات. كما أن الاحتفاظ بالجثامين يمنح الحركة ورقة مساومة إضافية، حيث تعتبرها أصولاً يمكن مبادلتها لاحقاً.
- من جانب إسرائيل: يمثل الإعلان عن استعادة رفات الرهائن رسالة مزدوجة. داخلياً، يتم تصويره على أنه إنجاز عملياتي واستخباراتي يبرهن على قدرة الجيش على الوصول إلى أهدافه، ويؤكد على الالتزام الأخلاقي للدولة تجاه مواطنيها. أما خارجياً، فهو يسلط الضوء على الطبيعة الوحشية للاحتجاز ويستخدم لحشد الدعم الدولي. وفي الوقت نفسه، فإن كل إعلان عن وفاة رهينة يزيد من الضغط الشعبي على الحكومة للتوصل إلى اتفاق يعيد الأحياء المتبقين.
التأثير على مفاوضات وقف إطلاق النار
يؤثر هذا الملف بشكل مباشر على مسار المفاوضات التي تتوسط فيها مصر وقطر والولايات المتحدة. فالإعلانات المتكررة عن مقتل الرهائن تزيد من حالة الاستقطاب داخل إسرائيل؛ حيث يطالب فريق بضرورة التوصل إلى صفقة فورية بأي ثمن لإنقاذ من يمكن إنقاذه، بينما يرى فريق آخر أن الضغط العسكري هو السبيل الوحيد لاستعادة الرهائن وتحقيق أهداف الحرب. هذا الانقسام الداخلي يعقّد موقف فريق التفاوض الإسرائيلي ويجعل من الصعب عليه تقديم التنازلات اللازمة. في المقابل، قد يدفع هذا الواقع المفاوضين إلى البحث عن صيغ جديدة للصفقة تشمل مراحل لتسليم الأحياء والرفات بشكل منفصل، مما يزيد من تعقيد المحادثات.
الأهمية والسياق الأوسع
في جوهره، يكشف ملف رفات الرهائن عن العمق الإنساني والمأساوي للصراع. بالنسبة لعائلات الرهائن، فإن استعادة جثمان قريب لهم، رغم الألم، توفر لهم إمكانية الدفن اللائق وإغلاق دائرة من عدم اليقين المؤلم. وعلى المستوى السياسي، يظل الملف ورقة ضغط قوية ومؤشراً على مدى استعداد كل طرف للمناورة في مفاوضات أوسع نطاقاً. وبالتالي، فإن أي تطور في هذا الملف لا يمثل مجرد خبر عن عملية عسكرية، بل هو إشارة سياسية قد تحدد مسار الحرب واحتمالات التوصل إلى سلام مستقبلي.




