اتفاق التجارة بين واشنطن وبكين: تحليل شامل للبنود والنتائج
شكل الاتفاق التجاري المعروف بـ "المرحلة الأولى"، الذي تم توقيعه بين الولايات المتحدة والصين في يناير 2020، محطة بارزة في مسار الحرب التجارية المتصاعدة بين أكبر اقتصادين في العالم. جاء هذا الاتفاق بمثابة هدنة مؤقتة تهدف إلى تخفيف حدة التوترات التي أثرت سلباً على الأسواق العالمية وسلاسل الإمداد، إلا أنه أبقى على جزء كبير من الرسوم الجمركية التي فرضها الطرفان على سلع بعضهما البعض.
خلفية الصراع التجاري
قبل التوصل إلى الاتفاق، انخرطت واشنطن وبكين في حرب تجارية شرسة بدأت في عام 2018. فرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رسوماً جمركية على مئات المليارات من الدولارات من البضائع الصينية، مشيرة إلى مخاوف بشأن العجز التجاري الكبير، وسرقة الملكية الفكرية، وممارسات نقل التكنولوجيا القسري. وردت الصين بإجراءات انتقامية مماثلة، مما أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وزيادة حالة عدم اليقين في بيئة الأعمال الدولية.
أبرز بنود اتفاق المرحلة الأولى
تمحور الاتفاق حول عدة التزامات رئيسية تهدف إلى معالجة بعض الشواغل الأمريكية الأساسية، وإن كان قد تجنب القضايا الهيكلية الأكثر تعقيداً. من أبرز هذه البنود:
- زيادة المشتريات الصينية: تعهدت بكين بزيادة مشترياتها من السلع والخدمات الأمريكية بقيمة لا تقل عن 200 مليار دولار على مدار عامي 2020 و2021، مقارنة بمستويات عام 2017. وشملت هذه الزيادات قطاعات حيوية مثل المنتجات الزراعية، والسلع المصنعة، والطاقة، والخدمات المالية.
- حماية الملكية الفكرية: تضمن الاتفاق أحكاماً لتعزيز حماية براءات الاختراع والعلامات التجارية وحقوق النشر، بالإضافة إلى مكافحة السلع المقلدة والقرصنة الرقمية.
- الخدمات المالية: نص الاتفاق على فتح السوق الصينية بشكل أكبر أمام شركات الخدمات المالية الأمريكية، بما في ذلك البنوك وشركات التأمين وبطاقات الائتمان.
- قضايا العملة: التزم الطرفان بالامتناع عن خفض قيمة عملتيهما لتعزيز القدرة التنافسية لصادراتهما، مع زيادة الشفافية بشأن سياسات الصرف الأجنبي.
النتائج والتحديات في التنفيذ
على الرغم من التفاؤل المبدئي الذي صاحب توقيع الاتفاق، واجه تنفيذه تحديات كبيرة. أظهرت تحليلات اقتصادية مستقلة أن الصين لم تفِ بالتزاماتها المتعلقة بالمشتريات بالكامل. وعزت التقارير هذا القصور إلى عدة عوامل، أبرزها التباطؤ الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة كوفيد-19، التي عطلت سلاسل التوريد وقلصت الطلب العالمي. وبحسب معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، لم تحقق الصين سوى جزء بسيط من الأهداف المتفق عليها بحلول نهاية عام 2021.
الأهمية والتأثير المستمر
رغم فشل الاتفاق في تحقيق جميع أهدافه المعلنة، إلا أنه نجح في وقف التصعيد المتبادل للرسوم الجمركية ومنع انزلاق العلاقات التجارية نحو مزيد من التدهور. ومع ذلك، فإن القضايا الجوهرية التي أشعلت الصراع، مثل الدعم الحكومي الصيني للشركات المملوكة للدولة والممارسات التجارية غير التنافسية، لم تتم معالجتها بشكل كافٍ. أبقت إدارة الرئيس جو بايدن على الرسوم الجمركية المفروضة، معلنة أنها ستجري مراجعة شاملة للسياسة التجارية تجاه الصين، مما يشير إلى أن التوترات الاقتصادية بين البلدين لا تزال قائمة ومستمرة، وأن اتفاق المرحلة الأولى كان مجرد خطوة في مسار طويل ومعقد من المنافسة الاستراتيجية.





