استئناف المفاوضات بين الصين وأمريكا وترامب يطلب دعماً من بكين
في تطور لافت شهده أواخر عام 2019، عادت الولايات المتحدة والصين إلى طاولة المفاوضات التجارية على أمل التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب التجارية المستمرة بينهما. إلا أن هذه الجولة من المحادثات رفيعة المستوى جاءت في ظل أجواء سياسية مشحونة، بعد أن فاجأ الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، المراقبين بطلبه العلني من بكين المساعدة في التحقيق مع أحد خصومه السياسيين البارزين، جو بايدن وابنه.

خلفية التوترات التجارية
تصاعدت التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم منذ عام 2018، عندما بدأت إدارة ترامب بفرض رسوم جمركية واسعة النطاق على سلع صينية بمليارات الدولارات، متهمة بكين بممارسات تجارية غير عادلة، بما في ذلك سرقة الملكية الفكرية وإجبار الشركات الأمريكية على نقل التكنولوجيا. ردت الصين بإجراءات مماثلة، مما أدخل البلدين في حلقة مفرغة من التصعيد أثرت سلباً على النمو الاقتصادي العالمي وأربكت الأسواق المالية وسلاسل التوريد الدولية. وكانت جولات المفاوضات السابقة قد تعثرت مراراً بسبب خلافات عميقة حول القضايا الهيكلية.
جولة جديدة من المباحثات
عُقدت المحادثات الجديدة في واشنطن، وترأس الوفد الصيني نائب رئيس مجلس الدولة، ليو خه، بينما قاد الجانب الأمريكي الممثل التجاري، روبرت لايتهايزر، ووزير الخزانة، ستيفن منوتشين. كان الهدف الأساسي هو التوصل إلى ما عُرف لاحقاً بـ "المرحلة الأولى" من الاتفاق التجاري. تركزت الآمال على أن توافق الصين على زيادة مشترياتها من المنتجات الزراعية الأمريكية، وتقديم بعض التنازلات في مجال حماية الملكية الفكرية، مقابل أن تقوم واشنطن بتأجيل أو إلغاء بعض الرسوم الجمركية المقررة.
طلب ترامب المثير للجدل
قبل أيام قليلة من انطلاق المحادثات الحاسمة، وفي تصريحات للصحفيين في أكتوبر 2019، دعا الرئيس ترامب الصين صراحة إلى فتح تحقيق بشأن تعاملات هانتر بايدن، نجل منافسه السياسي جو بايدن، في الصين. جاء هذا الطلب في وقت كان ترامب يواجه فيه بالفعل إجراءات عزل في الكونغرس بسبب طلبه المماثل من أوكرانيا. اعتبر منتقدو الرئيس أن هذا التصرف يمثل محاولة واضحة لاستغلال السياسة الخارجية والنفوذ التجاري للولايات المتحدة لتحقيق مكاسب سياسية شخصية، عبر تشويه سمعة خصم محتمل في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
التداعيات وردود الفعل
قوبل طلب ترامب بردود فعل متباينة. داخلياً، أثار غضب الديمقراطيين الذين اتهموه بإساءة استخدام السلطة ودعوة قوة أجنبية للتدخل في الشؤون السياسية الأمريكية. أما على الصعيد الدولي، فقد تعاملت بكين مع الموقف بحذر دبلوماسي. أكدت وزارة الخارجية الصينية أن سياسة بلادها تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، متجنبة بذلك الانجرار إلى الجدل السياسي الأمريكي. ورغم أن الطلب لم يؤدِ إلى انهيار المحادثات بشكل فوري، إلا أنه أضاف طبقة من التعقيد والريبة إلى علاقة متوترة بالفعل، حيث تساءل المحللون عما إذا كانت القضايا التجارية أصبحت مرتبطة بشكل مباشر بالأجندة السياسية الداخلية للرئيس الأمريكي.
الأهمية والسياق الأوسع
يمثل هذا الحدث نقطة تقاطع فريدة بين السياسة الداخلية الأمريكية والدبلوماسية الدولية. لقد كشف عن استعداد إدارة ترامب لدمج أهدافها السياسية الشخصية مع مفاوضات اقتصادية ذات أهمية عالمية، وهو نهج غير تقليدي أثار قلق حلفاء واشنطن وخصومها على حد سواء. كما أبرزت الواقعة مدى تشابك العلاقات الأمريكية الصينية، حيث لا يمكن فصل الملفات الاقتصادية عن الاعتبارات الجيوسياسية والسياسية، مما يجعل أي حل للنزاعات بينهما أمراً بالغ الصعوبة والتعقيد.





