الكرملين يلتزم الصمت بشأن تقارير عن إلغاء محتمل لقمة بوتين وترامب
في أواخر نوفمبر 2018، سادت حالة من الغموض حول الاجتماع المرتقب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، والذي كان من المقرر عقده على هامش قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس. وفي مواجهة تقارير إعلامية تحدثت عن احتمال إلغاء القمة، اتخذ الكرملين في البداية موقفاً متحفظاً رافضاً التعليق، وذلك في خضم تصعيد عسكري حاد للتوترات بين روسيا وأوكرانيا.

خلفية التوترات: حادثة مضيق كيرتش
اندلعت الأزمة في 25 نوفمبر 2018، عندما قامت القوات الروسية باحتجاز ثلاث سفن تابعة للبحرية الأوكرانية، وهي زورقان حربيان وقاطرة، بالإضافة إلى طواقمها المكونة من 24 بحاراً، وذلك أثناء عبورها مضيق كيرتش. ويُعد هذا الممر المائي حيوياً، حيث يفصل بين البحر الأسود وبحر آزوف، ويمثل نقطة وصول رئيسية للموانئ الأوكرانية. اتهمت موسكو السفن الأوكرانية بدخول مياهها الإقليمية بشكل غير قانوني، في حين أكدت كييف أن سفنها كانت تبحر وفقاً للقانون البحري الدولي ووصفت الحادث بأنه عمل من أعمال العدوان الروسي.
أثار الحادث إدانة دولية واسعة، حيث دعت العديد من الدول الغربية روسيا إلى الإفراج الفوري عن البحارة والسفن المحتجزة. ورداً على المواجهة، أقر البرلمان الأوكراني فرض الأحكام العرفية لمدة 30 يوماً في عدة مناطق حدودية مع روسيا، مما عكس خطورة الموقف.
تصريحات ترامب والتهديد بالإلغاء
ربط الرئيس ترامب بشكل مباشر مصير اجتماعه المخطط له مع بوتين بحل المواجهة البحرية. وفي تصريحات للصحفيين، أشار إلى أنه ينتظر "تقريراً كاملاً" من فريق الأمن القومي الخاص به حول الحادث، مؤكداً أن نتائج هذا التقرير ستكون "حاسمة للغاية" في اتخاذ قراره.
لاحقاً، صعّد ترامب من موقفه عبر منصة تويتر، حيث ذكر صراحة أنه قد يلغي الاجتماع المقرر لأنه لا يوافق على هذا "العدوان". وشكّل هذا التحذير العلني ضغطاً كبيراً على موسكو، وأرسل إشارة واضحة بأن الولايات المتحدة لن تتجاهل الحادث من أجل الحوار الدبلوماسي.
موقف الكرملين: من الغموض إلى الإقرار
في البداية، كان الرد الرسمي لموسكو على شائعات الإلغاء متحفظاً. وصرح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بأن الاستعدادات للقمة مستمرة وأن الجانب الأمريكي قد أكد عقد الاجتماع. كان هذا الموقف يهدف إلى إظهار الاستقرار والتقليل من أهمية تهديد ترامب، مع الإيحاء بأن القنوات الدبلوماسية لا تزال مفتوحة.
لكن مع تزايد حسم تصريحات ترامب، اضطر الكرملين إلى تكييف موقفه. ورغم تمسك المسؤولين الروس بأن القمة لا تزال على جدول الأعمال، إلا أنهم دافعوا بقوة عن أفعالهم في مضيق كيرتش، مؤكدين أنها كانت قانونية وجاءت رداً على "استفزاز" من الجانب الأوكراني.
الإلغاء الرسمي وتداعياته
انتهت حالة عدم اليقين في 29 نوفمبر 2018، بينما كان ترامب في طريقه إلى قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين. أعلن عبر تغريدة على تويتر قراره بإلغاء اجتماعه مع بوتين. وقال بوضوح: "بناءً على حقيقة أن السفن والبحارة لم تتم إعادتهم إلى أوكرانيا من روسيا، فقد قررت أنه سيكون من الأفضل لجميع الأطراف المعنية إلغاء اجتماعي المقرر مسبقاً".
مثّل الإلغاء نكسة دبلوماسية كبيرة، حيث ألغى ما كان يُتوقع أن يكون نقاشاً محورياً حول قضايا تتراوح بين الحد من التسلح والصراعات الإقليمية في سوريا والشرق الأوسط. كما أبرز القرار حجم التوتر الشديد في العلاقات الأمريكية-الروسية وأظهر العواقب الملموسة للصراع في أوكرانيا على الدبلوماسية العالمية. وعلى الرغم من إلغاء الاجتماع الرسمي، أفادت تقارير بأن الزعيمين أجريا محادثة قصيرة وغير رسمية على هامش القمة.





