واشنطن تعرض على الصين إمدادات طاقة إضافية مقابل تقليص وارداتها من روسيا
في خطوة تعكس الأبعاد الجيوسياسية لأسواق الطاقة العالمية، أبدت الولايات المتحدة استعدادها لزيادة إمداداتها من النفط والغاز الطبيعي المسال إلى الصين. إلا أن هذا العرض لا يأتي كصفقة تجارية بحتة، بل هو مشروط بشكل مباشر بتخفيض بكين اعتمادها على واردات الطاقة من روسيا. تمثل هذه المبادرة جزءاً من استراتيجية أمريكية أوسع نطاقاً تهدف إلى عزل موسكو اقتصادياً وتقليص عائداتها التي تمول عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
خلفية العرض الأمريكي
منذ بدء الصراع في أوكرانيا في أوائل عام 2022، قادت الدول الغربية حملة فرض عقوبات اقتصادية واسعة على روسيا، استهدفت بشكل خاص قطاع الطاقة الذي يعد شريان الحياة للاقتصاد الروسي. وشملت هذه الإجراءات فرض حظر على واردات النفط الروسي وتحديد سقف لأسعاره بالتعاون مع مجموعة السبع. ونتيجة لذلك، سعت موسكو إلى إيجاد أسواق بديلة لصادراتها، لتصبح الصين والهند من أكبر المشترين للنفط الروسي، مستفيدتين من الأسعار المخفضة التي تقدمها موسكو.
في هذا السياق، يأتي العرض الأمريكي كأداة للضغط على الصين ومحاولة لإحداث شرخ في علاقات الطاقة المتنامية بين بكين وموسكو. ترى واشنطن أن تقليل الاعتماد الصيني على الطاقة الروسية لن يخدم فقط أهداف سياستها الخارجية تجاه روسيا، بل سيعزز أيضاً من استقرار أسواق الطاقة العالمية عبر توفير بديل موثوق للإمدادات.
تفاصيل المبادرة وشروطها
أوضح مسؤولون في قطاع الطاقة الأمريكي، ومن بينهم وزيرة الطاقة جينيفر غرانهولم في مناسبات مختلفة، أن الولايات المتحدة تمتلك القدرة على زيادة إنتاجها وصادراتها من الغاز الطبيعي المسال والنفط الخام بشكل كبير. وتُقدم واشنطن نفسها كشريك طاقة يمكن الاعتماد عليه على المدى الطويل، على عكس روسيا التي تستخدم إمدادات الطاقة كأداة للضغط السياسي.
الشرط الأساسي الذي تضعه واشنطن هو التزام صيني واضح وملموس بتقليص مشترياتها من الطاقة الروسية. لم يتم تحديد حجم التخفيض المطلوب بشكل رسمي، ولكن الرسالة السياسية واضحة: أي زيادة في صادرات الطاقة الأمريكية إلى الصين يجب أن تأتي على حساب حصة روسيا في السوق الصينية. ويهدف هذا الربط إلى جعل الفوائد الاقتصادية المحتملة للصين مرتبطة بشكل مباشر بدعمها للجهود الغربية لعزل روسيا.
موقف الصين وتحديات التنفيذ
رغم أن تنويع مصادر الطاقة يمثل هدفاً استراتيجياً طويل الأمد للصين لضمان أمنها الطاقوي، إلا أن الاستجابة للعرض الأمريكي تواجه تحديات كبيرة. فالعلاقات بين بكين وموسكو وُصفت بأنها شراكة "بلا حدود"، وتشكل الطاقة ركيزة أساسية في هذه العلاقة الاستراتيجية.
تواجه الصين عدة معوقات تجعل من الصعب عليها قبول العرض الأمريكي بشروطه الحالية:
- الفوائد الاقتصادية: تحصل الصين حالياً على النفط والغاز الروسي بأسعار تفضيلية، مما يوفر ميزة تنافسية لاقتصادها. ومن غير المرجح أن تتمكن الإمدادات الأمريكية من منافسة هذه الأسعار على المدى القصير.
- الاعتبارات الجيوسياسية: يُنظر إلى قبول العرض الأمريكي على أنه انحياز واضح للمعسكر الغربي ضد روسيا، وهو ما يتعارض مع نهج السياسة الخارجية الصينية التي تسعى للحفاظ على توازن في علاقاتها مع القوى الكبرى.
- البنية التحتية والعقود طويلة الأجل: ترتبط الصين وروسيا بشبكة من خطوط الأنابيب، مثل خط "قوة سيبيريا"، وعقود توريد طويلة الأجل تضمن تدفقات مستقرة للطاقة. التحول نحو الغاز الطبيعي المسال الأمريكي يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية للاستيراد والتخزين.
الأهمية والتداعيات المحتملة
تكمن أهمية هذه المبادرة في أنها تسلط الضوء على استخدام الطاقة كسلاح في الصراع الجيوسياسي المعاصر. فالعرض الأمريكي ليس مجرد محاولة لبيع المزيد من الطاقة، بل هو مناورة استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل خريطة الطاقة العالمية وإضعاف أحد الخصوم الرئيسيين لواشنطن. إذا قررت الصين، في المستقبل، الاستجابة بشكل إيجابي، فإن ذلك سيمثل تحولاً كبيراً في المشهد الجيوسياسي العالمي وسيضعف موقف روسيا بشكل كبير. ومع ذلك، في الوقت الراهن، تشير كل الدلائل إلى أن بكين ستستمر في إعطاء الأولوية لشراكتها الاستراتيجية وفوائدها الاقتصادية مع موسكو، مما يجعل العرض الأمريكي يظل قائماً كورقة ضغط مستقبلية أكثر من كونه صفقة وشيكة.


