اعتراف قائد قوات الدعم السريع بانتهاكات في الفاشر وجماعات حقوقية تصفها بـ"المجازر"
في تطور لافت في خضم الصراع الدائر في السودان، أقر الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي" وقائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية، بوقوع انتهاكات ارتكبتها قواته في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور. يأتي هذا الاعتراف في الوقت الذي تصف فيه جماعات حقوقية دولية ومنظمات إنسانية هذه الأحداث بأنها تصل إلى مستوى "المجازر"، وتطالب بتحقيق دولي مستقل ومحاسبة المسؤولين.

تُعد هذه التصريحات التي أدلى بها حميدتي، في الآونة الأخيرة، اعترافًا صريحًا وغير مسبوق بوجود مخالفات داخل صفوف قواته، مشيرًا إلى أن "أخطاء فردية" قد وقعت وتعهد بفتح تحقيق داخلي فيها. إلا أن هذا التعهد قوبل بالتشكيك من قبل منظمات حقوق الإنسان التي ترى أن التحقيقات الداخلية قد لا تكون كافية أو نزيهة في ظل الأوضاع الراهنة.
الخلفية التاريخية ومكانة الفاشر الاستراتيجية
اندلع الصراع الحالي في السودان في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي. تعود جذور هذه القوات الأخيرة إلى ميليشيات الجنجويد التي مارست عنفًا واسعًا في إقليم دارفور خلال العقدين الماضيين. وبعد سقوط نظام عمر البشير، لعبت قوات الدعم السريع دورًا محوريًا في المشهد السياسي، قبل أن تتحول العلاقة بينها وبين الجيش إلى صراع مسلح شامل.
تكتسب مدينة الفاشر أهمية استراتيجية بالغة؛ فهي عاصمة ولاية شمال دارفور، وتُعد آخر معاقل الجيش السوداني الرئيسية في الإقليم الذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع بشكل شبه كامل. كما أنها مركز إنساني حيوي يضم مئات الآلاف من النازحين واللاجئين الفارين من العنف في مناطق أخرى من دارفور. لطالما حذرت الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية من مخاطر التصعيد العسكري حول الفاشر، نظرًا للكثافة السكانية وضعف البنية التحتية، وهو ما يهدد بوقوع كارثة إنسانية وشيكة.
التطورات الأخيرة واتهامات حقوق الإنسان
شهدت الفاشر ومحيطها تصعيدًا عسكريًا كبيرًا خلال الشهور الماضية، حيث فرضت قوات الدعم السريع حصارًا محكمًا على المدينة، وشنت هجمات متكررة. وقد تضمنت اتهامات جماعات حقوق الإنسان، مثل منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، شهادات مروعة عن ارتكاب قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها انتهاكات جسيمة تشمل:
- القتل العمد للمدنيين: استهداف مباشر للأحياء السكنية والأسواق، مما أسفر عن سقوط مئات الضحايا المدنيين.
- العنف الجنسي: تقارير عن حالات اغتصاب جماعي واعتداءات جنسية ضد النساء والفتيات.
- التطهير العرقي: اتهامات باستهداف جماعات عرقية محددة، مما يثير مخاوف من تكرار أنماط العنف التي شهدتها دارفور في الماضي.
- تدمير البنية التحتية: استهداف المستشفيات والمدارس ومرافق المياه، مما أثر سلبًا على قدرة المدنيين على الحصول على الخدمات الأساسية.
- عرقلة وصول المساعدات الإنسانية: منع القوافل الإغاثية من الوصول إلى المحتاجين، مما فاقم الأزمة الإنسانية.
هذه المنظمات، بالإضافة إلى مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وثقت العديد من هذه الانتهاكات، ووصفت بعضها بأنها "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية"، داعية إلى ضرورة إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة من قبل جهات محايدة ومحاسبة مرتكبيها.
ردود الفعل الدولية وتداعيات الأزمة
أثارت الأوضاع في الفاشر ردود فعل دولية واسعة، حيث عبرت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والعديد من الدول الكبرى عن قلقها العميق إزاء تصاعد العنف. وقد أصدر مجلس الأمن الدولي قرارات تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في الفاشر وحماية المدنيين، وتطالب بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. كما حذرت الأمم المتحدة من أن الفاشر على شفا "كارثة على نطاق لم يُشهد له مثيل" في الصراع السوداني.
يُنظر إلى اعتراف حميدتي بوقوع انتهاكات على أنه قد يكون محاولة لتخفيف الضغط الدولي أو إظهار الاستعداد للتعاون، لكنه لا يلغي الدعوات المستمرة للمساءلة. فغياب العدالة يمكن أن يؤجج الصراع ويقوض أي جهود مستقبلية لإحلال السلام والاستقرار في البلاد.
الأهمية والتداعيات المستقبلية
تكمن أهمية هذا الخبر في عدة جوانب محورية. فاعتراف قائد قوات الدعم السريع، وإن كان محدودًا، يفتح الباب أمام مزيد من الضغط للمساءلة عن الجرائم المرتكبة. كما يسلط الضوء على الوضع الإنساني الكارثي في الفاشر ودارفور بشكل عام، حيث يُقدر أن مئات الآلاف من الأشخاص يواجهون الجوع والمرض والتهديد المستمر لحياتهم.
إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف العنف وتوفير الحماية للمدنيين، فإن الصراع في الفاشر يمكن أن يتسبب في موجة جديدة من النزوح الجماعي، ويزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السودانية. إن الدعوات الدولية المتزايدة لإجراء تحقيق مستقل ومحاسبة الجناة تعكس إدراكًا متزايدًا لضرورة ضمان العدالة كركيزة أساسية لأي سلام مستدام في السودان.





