اكتشاف قلعة كنعانية نادرة جنوب غزة يعود تاريخها لآلاف السنين
في إنجاز أثري بارز، أعلنت بعثة تنقيب فلسطينية فرنسية مشتركة في أواخر عام 2017 عن اكتشاف بقايا قلعة كنعانية قديمة ومحصنة في موقع تل السكن الأثري، الواقع جنوب مدينة غزة. يُعد هذا الكشف ذا أهمية تاريخية كبرى، حيث يسلط الضوء على الحضارة الكنعانية المبكرة في المنطقة والعلاقات المعقدة التي ربطت جنوب بلاد الشام بمصر القديمة قبل آلاف السنين.

تفاصيل الاكتشاف وموقعه
يقع الاكتشاف في موقع تل السكن، وهو تل اصطناعي تشكل عبر تراكم طبقات من الاستيطان البشري على مر العصور. وقد كشفت أعمال التنقيب عن جدران ضخمة مبنية من الطوب اللبن، يصل عرضها إلى عدة أمتار، مما يدل على أنها كانت جزءًا من منظومة دفاعية متطورة لمدينة محصنة. يعود تاريخ هذه التحصينات إلى العصر البرونزي المبكر والعصر الحديدي، أي أن عمرها يتراوح بين 3000 و5000 عام. وإلى جانب الأسوار، عثر المنقبون على مجموعة من القطع الأثرية كالأواني الفخارية والأدوات التي ساعدت في تحديد تاريخ الموقع وطبيعة الحياة فيه.
الأهمية التاريخية والاستراتيجية
تكمن أهمية هذا الاكتشاف في كونه يقدم دليلاً ماديًا على وجود مركز حضري وإداري متقدم في هذه المنطقة منذ فجر التاريخ. ويشير الخبراء إلى أن القلعة لعبت دورًا استراتيجيًا حاسمًا نظرًا لموقعها الجغرافي الفريد. فقد كانت تقع على الطريق التجاري والعسكري الساحلي القديم، المعروف باسم "طريق حورس"، الذي كان يربط وادي النيل في مصر ببلاد الشام والأناضول.
- مركز إداري مصري: يعتقد بعض علماء الآثار أن الموقع كان في بداياته بمثابة مركز إداري وعسكري للحكم المصري القديم، أُنشئ لتأمين المصالح المصرية في جنوب كنعان.
- مدينة كنعانية محصنة: في مراحل لاحقة، تطور الموقع ليصبح مدينة كنعانية مستقلة ومحصنة، مما يعكس الديناميكيات المتغيرة للقوى في المنطقة.
- فهم التمدن المبكر: يوفر الكشف رؤى جديدة حول بدايات التمدن في جنوب فلسطين، حيث يُعتبر تل السكن من أقدم المدن المسورة المكتشفة في المنطقة.
خلفية عن جهود التنقيب
تم اكتشاف موقع تل السكن لأول مرة عن طريق الصدفة في عام 1998 خلال أعمال بناء، وبدأت عمليات التنقيب الأولية في العام التالي. إلا أن هذه الجهود توقفت بشكل شبه كامل لأكثر من عقد من الزمان بسبب الأوضاع السياسية والأمنية في قطاع غزة. وفي عام 2017، استؤنفت أعمال التنقيب بفضل تعاون مشترك بين وزارة السياحة والآثار الفلسطينية وخبراء من المدرسة الفرنسية للآثار التوراتية والإنجيلية في القدس. وقد واجهت الفرق الأثرية تحديات كبيرة، بما في ذلك خطر الزحف العمراني الذي يهدد سلامة الموقع الأثري.
دلالات الاكتشاف للمستقبل
يُعد هذا الاكتشاف إضافة قيمة للتراث الثقافي الفلسطيني، حيث يؤكد على العمق التاريخي والحضاري للمنطقة. ويأمل علماء الآثار أن تساهم الدراسات المستقبلية للقلعة والموقع في كشف المزيد من الأسرار حول طبيعة المجتمع الكنعاني، وعلاقاته التجارية والسياسية، وأنظمته الدفاعية. كما يسلط الضوء على ضرورة حماية المواقع الأثرية في فلسطين باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الإنسانية جمعاء.





