الأورومتوسطي: تصاعد عنف المستوطنين يهدف لضم الضفة الغربية وتهجير سكانها
أفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تقرير صدر مؤخراً بأن الارتفاع الحاد في وتيرة هجمات المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة ليس مجرد حوادث عنف معزولة، بل يعكس نهجاً ممنهجاً يهدف إلى ترسيخ السيطرة الإسرائيلية، وتهيئة الظروف لضم أجزاء واسعة من الأراضي بشكل فعلي، ودفع السكان الفلسطينيين إلى الرحيل القسري من مناطقهم.

خلفية الوضع في الضفة الغربية
تخضع الضفة الغربية للاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، وشهدت على مدى عقود إنشاء وتوسيع أكثر من 200 مستوطنة وبؤرة استيطانية، والتي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي. وقد أدى هذا الواقع إلى احتكاك دائم بين المستوطنين والسكان الفلسطينيين الأصليين. وفي حين أن عنف المستوطنين ظاهرة قديمة، إلا أن منظمات حقوقية دولية ومحلية، بما فيها الأمم المتحدة، وثقت تصاعداً غير مسبوق في عدد الهجمات وشدتها، لا سيما في الفترة التي أعقبت أحداث السابع من أكتوبر 2023.
يستهدف العنف بشكل خاص المجتمعات الفلسطينية الصغيرة والقرى الواقعة في "المنطقة ج"، التي تشكل حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية وتخضع لسيطرة إدارية وأمنية إسرائيلية كاملة، مما يجعل سكانها أكثر عرضة للهجمات في ظل غياب آليات حماية فعالة.
تصاعد الهجمات وتوقيتها
يشير التقرير إلى أن الهجمات تتخذ أشكالاً متعددة، منها الاعتداءات الجسدية المباشرة، وإتلاف الممتلكات مثل حرق المنازل والمركبات، وتدمير المحاصيل الزراعية، وسرقة المواشي. وبلغت هذه الهجمات ذروتها خلال مواسم حيوية للفلسطينيين، وأبرزها موسم قطف الزيتون الذي يمثل مصدراً رئيسياً للدخل وله رمزية ثقافية وتاريخية عميقة. يتم استهداف المزارعين أثناء عملهم في أراضيهم وتخريب آلاف أشجار الزيتون سنوياً، في محاولة لقطع صلتهم بأرضهم وتضييق سبل عيشهم.
وقد وثقت هيئات أممية، مثل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، مئات الحوادث التي أدت إلى وقوع إصابات بين الفلسطينيين وأضرار جسيمة بالممتلكات منذ أواخر عام 2023، مما أدى إلى تهجير مئات العائلات من عدة تجمعات بدوية ورعوية بشكل كامل.
دور السلطات الإسرائيلية
يؤكد المرصد الأورومتوسطي، بالإضافة إلى منظمات أخرى مثل "بتسيلم" و"يش دين" الإسرائيليتين، أن هذا التصعيد يجري في ظل غياب شبه تام للمساءلة القانونية. ونادراً ما تؤدي الشكاوى التي يقدمها الفلسطينيون إلى تحقيقات جدية أو إدانات، مما يخلق بيئة من الإفلات من العقاب تشجع على تكرار الجرائم.
والأخطر من ذلك، حسب التقارير، هو التواطؤ المباشر أو غير المباشر من قبل الجيش الإسرائيلي. فهناك حالات موثقة عديدة لجنود إسرائيليين كانوا موجودين أثناء وقوع الهجمات دون أن يتدخلوا لحماية الفلسطينيين، بل وفي بعض الحالات، قاموا بتوفير الحماية للمستوطنين المهاجمين أو شاركوا في قمع الفلسطينيين الذين حاولوا الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم.
الهدف: الضم الفعلي والتهجير
يخلص التقرير إلى أن هذا العنف المنظم ليس عشوائياً، بل يخدم هدفاً استراتيجياً أوسع. فمن خلال خلق بيئة قسرية وغير آمنة، يتم الضغط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم، خاصة في المناطق الاستراتيجية التي تسعى إسرائيل إلى السيطرة عليها. هذا التهجير الصامت، مقترناً بالتوسع الاستيطاني المستمر ومصادرة الأراضي، يغير الواقع الديموغرافي والجغرافي على الأرض.
يعتبر هذا الإجراء بمثابة "ضم فعلي" أو (de facto annexation)، حيث يتم فرض السيادة الإسرائيلية على الأرض دون إعلان رسمي، مما يجعل قيام دولة فلسطينية مترابطة وذات سيادة في المستقبل أمراً شبه مستحيل. وبذلك، يصبح عنف المستوطنين أداة رئيسية في تنفيذ سياسة طويلة الأمد لترسيخ الاحتلال والسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي بأقل عدد من السكان الفلسطينيين.





