تصاعد التوترات في الضفة الغربية مع احتدام "حرب الزيتون"
تشهد مناطق متفرقة من الضفة الغربية تصعيدًا ملحوظًا في حدة التوتر والمواجهات خلال الأسابيع الأخيرة، بالتزامن مع انطلاق موسم قطف الزيتون الذي يُعد شريانًا اقتصاديًا وثقافيًا حيويًا للمجتمع الفلسطيني. وتتخذ هذه التوترات طابعًا مزدوجًا، حيث تتزايد وتيرة الاقتحامات العسكرية الإسرائيلية للمدن والقرى الفلسطينية، وفي الوقت نفسه، تتصاعد اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين الممنهجة التي تستهدف المزارعين وأشجار الزيتون، فيما يُعرف إعلاميًا بـ"حرب الزيتون".

خلفية الصراع: رمزية الزيتون وأهميته
يمثل موسم قطف الزيتون، الذي يحل عادةً في شهري أكتوبر ونوفمبر، أكثر من مجرد نشاط زراعي في فلسطين. فهو يحمل رمزية عميقة تتعلق بالصمود والتجذر في الأرض، كما يشكل مصدر دخل أساسي لآلاف العائلات الفلسطينية، حيث يعتمد ما يقرب من 100,000 أسرة على زراعة الزيتون بشكل كلي أو جزئي. وتغطي أشجار الزيتون مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية، مما يجعلها هدفًا متكررًا في سياق الصراع على الأرض والموارد.
تطورات ميدانية: هجمات ممنهجة ومواجهات متكررة
أفادت تقارير حقوقية ومصادر محلية بتصاعد وتيرة هجمات المستوطنين منذ بدء الموسم الحالي. لا تقتصر هذه الهجمات على منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، خاصة تلك المحاذية للمستوطنات أو الواقعة خلف الجدار الفاصل، بل تمتد لتشمل أعمال عنف مباشرة. وقد تم توثيق العديد من الحوادث التي تضمنت:
- إحراق وتقطيع وتجريف المئات من أشجار الزيتون المعمرة في مناطق متفرقة، لا سيما في محافظات نابلس والخليل وسلفيت.
- الاعتداء الجسدي على المزارعين الفلسطينيين وعائلاتهم أثناء عملهم في حقولهم.
- سرقة محاصيل الزيتون وتخريب معدات زراعية.
- إطلاق الرصاص الحي في بعض الحالات لترهيب المزارعين وإجبارهم على مغادرة أراضيهم.
تتزامن هذه الاعتداءات مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدن وقرى الضفة الغربية، مما يخلق بيئة من التوتر الشديد ويحد من قدرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية والمزارعين على حماية أنفسهم وممتلكاتهم. ويشير مراقبون إلى أن هذه الهجمات غالبًا ما تتم تحت حماية أو بتغاضٍ من قوات الجيش الإسرائيلي المتمركزة في تلك المناطق.
الأبعاد والتأثيرات
تتجاوز تداعيات "حرب الزيتون" الخسائر الاقتصادية المباشرة. فهي تهدف، بحسب محللين ومنظمات حقوقية، إلى تقويض الوجود الفلسطيني في المناطق المصنفة "ج" الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، والتي تشكل حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية. من خلال جعل الزراعة نشاطًا محفوفًا بالمخاطر وغير مربح، يتم الضغط على المزارعين لهجر أراضيهم، مما يسهل توسع المستوطنات عليها لاحقًا.
على الصعيد الإنساني، تسبب هذه الاعتداءات حالة من الخوف والقلق الدائمين لدى المجتمعات الريفية، وتعيق انتقال المعرفة والتقاليد المرتبطة بالزيتون من جيل إلى جيل. كما تؤدي المواجهات المستمرة إلى سقوط جرحى، وفي بعض الأحيان قتلى، من الجانبين، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني المتدهور أصلًا.
ردود الفعل والمواقف
تندد القيادة الفلسطينية باستمرار بهذه الهجمات، معتبرة إياها جزءًا من سياسة إسرائيلية ممنهجة لتهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم، وتطالب المجتمع الدولي بتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني. من جانبها، تؤكد منظمات حقوقية إسرائيلية ودولية، مثل "بتسيلم" و"يش دين"، أن السلطات الإسرائيلية لا تتخذ إجراءات كافية لردع عنف المستوطنين ومحاسبة المعتدين، مما يخلق ثقافة إفلات من العقاب تشجع على المزيد من الهجمات. وعلى المستوى الدولي، تصدر دعوات متكررة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لوقف عنف المستوطنين واحترام القانون الدولي، إلا أن هذه الدعوات غالبًا ما تبقى دون تأثير ملموس على أرض الواقع.





