الإعلان الدستوري: أفق جديد لتوازن السلطة بين الضفة وغزة؟
في خضم النقاشات الإقليمية والدولية المتواصلة حول مقترح نشر قوة دولية لحفظ الأمن في قطاع غزة، تشهد الساحة الفلسطينية الداخلية تطورًا محوريًا بصدور إعلان دستوري جديد. يهدف هذا الإعلان إلى إعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني وفتح مسارات محتملة لتوحيد مؤسسات الحكم، مع التركيز بشكل خاص على استعادة توازن السلطة ووحدة القرار بين الضفة الغربية وقطاع غزة. يأتي هذا التطور في لحظة حرجة، حيث تتزايد الدعوات لإنشاء إدارة فلسطينية موحدة وفاعلة لمرحلة ما بعد الصراع في غزة، مما يضع الإعلان الدستوري في صلب الجدل حول مستقبل المشهد السياسي الفلسطيني.

خلفية الانقسام السياسي الفلسطيني
تعود جذور التحدي المتمثل في توازن السلطة بين الضفة وغزة إلى الانقسام السياسي الذي شهدته الساحة الفلسطينية في عام 2007. في أعقاب الانتخابات التشريعية لعام 2006، وما تلاها من أحداث، انقسمت الإدارة الفلسطينية فعليًا إلى كيانين: أحدهما في الضفة الغربية تديره السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح، والآخر في قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس. هذا الانقسام لم يؤدِ فقط إلى ضعف في التمثيل الفلسطيني دوليًا، بل خلق أيضًا تباينات عميقة في الأنظمة القانونية والإدارية والخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين في المنطقتين.
- تدهور الوضع التشريعي: تعطل عمل المجلس التشريعي الفلسطيني، مما أدى إلى غياب الرقابة البرلمانية وسن القوانين.
 - ازدواجية المؤسسات: نشأت مؤسسات حكومية متوازية وغير معترف بها بشكل متبادل، مما فاقم التعقيدات الإدارية.
 - محاولات المصالحة الفاشلة: شهدت السنوات الماضية جهودًا مكثفة، ولكنها باءت بالفشل، لإعادة توحيد الصف الفلسطيني عبر اتفاقيات مصالحة متعددة، كان أبرزها اتفاق القاهرة عام 2011 واتفاق الشاطئ عام 2014، لكنها لم تثمر عن نتائج دائمة على الأرض.
 
لقد أثر هذا الانقسام بشكل مباشر على قدرة الفلسطينيين على اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية موحدة، وأعاق جهود التنمية، وفاقم من معاناة السكان، خصوصًا في قطاع غزة الذي يواجه تحديات إنسانية واقتصادية جمة.
الإعلان الدستوري الجديد: ملامحه وأهدافه
يهدف الإعلان الدستوري الجديد، الذي صدر في وقت حديث، إلى معالجة هذه التحديات الهيكلية من خلال توفير إطار قانوني ودستوري مؤقت وموحَّد. يُنظر إلى هذا الإعلان كخطوة نحو استعادة الشرعية الدستورية وتوحيد المرجعيات القانونية. تشمل أبرز ملامحه المقترحة:
- إعادة تفعيل الهيئات التشريعية: يتضمن الإعلان بنودًا تهدف إلى إعادة تفعيل دور المجلس التشريعي، أو إنشاء هيئة تشريعية مؤقتة، تمهيدًا لإجراء انتخابات ديمقراطية في المستقبل.
 - تشكيل حكومة وحدة وطنية: يدعو الإعلان إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية تشمل تمثيلاً من كافة الفصائل والقوى الفلسطينية، لتكون مسؤولة عن إدارة الشؤون اليومية وإعادة الإعمار.
 - توحيد المؤسسات القضائية والإدارية: يتناول الإعلان آليات لإنهاء ازدواجية القضاء وتوحيد الأجهزة الأمنية والإدارية تحت مظلة واحدة، مما يعزز سيادة القانون في كافة الأراضي الفلسطينية.
 - التأكيد على وحدة الأراضي الفلسطينية: يشدد الإعلان على أن الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة تشكل وحدة جغرافية وسياسية لا تتجزأ، ويدعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
 
يرى مؤيدو الإعلان أنه ضروري لملء الفراغ الدستوري وتوفير أساس قانوني راسخ لأي عملية مصالحة قادمة، وكذلك لتسهيل التعامل مع المجتمع الدولي الذي يطالب بوجود سلطة فلسطينية موحدة وقادرة على الحكم في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
ردود الفعل والتحديات المحتملة
تباينت ردود الفعل على الإعلان الدستوري بشكل كبير بين مختلف الفصائل الفلسطينية والجهات الدولية. ففي حين رحبت بعض الأطراف في الضفة الغربية بالإعلان كخطوة إيجابية نحو إنهاء الانقسام، عبرت أطراف أخرى عن تحفظاتها، مشددة على ضرورة أن يكون الإعلان نتاج توافق وطني شامل وليس قرارًا أحاديًا. على سبيل المثال، قد ترى بعض الفصائل أنه يصب في مصلحة طرف واحد على حساب آخر، أو أنه لا يقدم ضمانات كافية لمشاركتها.
أما في قطاع غزة، فمن المتوقع أن يواجه الإعلان تحديات كبيرة، خصوصًا من حركة حماس التي تسيطر على القطاع منذ عام 2007. قد تنظر حماس إلى الإعلان كخطوة غير شرعية إذا لم تشارك في صياغته أو لم يعالج مخاوفها الأمنية والسياسية بشكل كافٍ. قد تشترط الحركة إجراء حوار وطني شامل قبل الموافقة على أي إطار دستوري جديد. هذه التحديات الداخلية تعكس عمق الانقسام وضرورة بناء الثقة بين جميع الأطراف.
على الصعيد الإقليمي والدولي، يمكن أن يُنظر إلى الإعلان الدستوري كفرصة لدعم الجهود الرامية إلى استقرار المنطقة، خاصة في ظل النقاشات حول مستقبل غزة. قد تشجع دول مثل مصر والأردن والاتحاد الأوروبي أي خطوة تساهم في توحيد الصف الفلسطيني، بينما قد تركز الولايات المتحدة على مدى قدرة هذا الإعلان على تحقيق الاستقرار الفعلي والتأسيس لحكم رشيد يمهد لحل الدولتين.
الإعلان الدستوري ومقترح القوة الدولية في غزة
تتداخل مسألة الإعلان الدستوري بشكل وثيق مع المقترحات المتداولة بشأن نشر قوة دولية في قطاع غزة. العديد من هذه المقترحات، التي تهدف إلى ضمان الأمن ومنع تجدد الصراع وتسهيل إيصال المساعدات، ترتبط بضرورة وجود سلطة فلسطينية موحدة وذات مصداقية يمكنها استلام زمام الأمور وإدارة القطاع بفعالية. في هذا السياق، يمكن أن يلعب الإعلان الدستوري دورًا محوريًا من خلال:
- توفير أساس شرعي: يمكن للإعلان أن يوفر الإطار القانوني والسياسي الذي يسمح لسلطة فلسطينية موحدة بالتفاعل مع القوة الدولية المقترحة، سواء في التنسيق الأمني أو إدارة الشؤون المدنية.
 - بناء الثقة الدولية: إذا نجح الإعلان في جمع الفصائل تحت مظلة واحدة، فإنه قد يعزز الثقة الدولية في قدرة الفلسطينيين على إدارة شؤونهم وتوفير بيئة مستقرة لعمل القوة الدولية.
 - تحديد المهام والمسؤوليات: يمكن أن يساعد الإعلان في تحديد صلاحيات ومسؤوليات الحكومة الفلسطينية الموحدة فيما يتعلق بالأمن وإعادة الإعمار، مما يسهل عمل أي قوة دولية ويمنع تضارب الصلاحيات.
 
ومع ذلك، إذا فشل الإعلان في الحصول على قبول واسع أو واجه مقاومة قوية، فقد يزيد من تعقيد مهمة أي قوة دولية مقترحة، حيث ستفتقر هذه القوة إلى شريك فلسطيني موثوق به وذو شرعية واسعة على الأرض.
الخلاصة: تحديات وآمال
يمثل الإعلان الدستوري الجديد تطورًا مهمًا في الساحة الفلسطينية الداخلية، يحمل في طياته آمالاً كبيرة بإعادة توحيد الصف الفلسطيني واستعادة توازن السلطة بين الضفة الغربية وقطاع غزة. إلا أن طريقه محفوف بالتحديات الجسيمة، بدءًا من ضرورة الحصول على توافق واسع بين الفصائل المتنافسة، ووصولاً إلى القدرة على ترجمة نصوص الإعلان إلى واقع ملموس على الأرض. إن نجاح هذا الإعلان، في حال تحققه، يمكن أن يمهد الطريق ليس فقط لإنهاء الانقسام الداخلي، بل أيضًا لتشكيل حكومة فلسطينية قوية وموحدة قادرة على مواجهة التحديات الهائلة في مرحلة ما بعد الصراع في غزة، والتفاعل بفاعلية مع المجتمع الدولي حول قضايا حيوية مثل نشر قوة دولية وإعادة الإعمار. يظل السؤال المطروح هو ما إذا كان هذا الإعلان سيشكل حقًا "أفقًا جديدًا" أم أنه سيضاف إلى سلسلة المحاولات السابقة لتوحيد البيت الفلسطيني.





