الإمارات تؤكد موقفها من السودان: قرقاش يدين الفظائع ويدعو لحكومة مدنية
أكد المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، يوم الأربعاء الماضي، أن بلاده تدين بشدة كافة الفظائع التي وقعت وتستمر في الحدوث في السودان، مع التركيز بشكل خاص على الأحداث المأساوية في مدينة الفاشر. شدد قرقاش على أن موقف الإمارات ثابت ويهدف إلى إنهاء النزاع المسلح ودعم مسار تحولي نحو حكومة مدنية مستقرة في السودان، نافياً في الوقت ذاته أي محاولات لتشويه حقيقة هذا الموقف عبر حملات إعلامية مضللة وأخبار زائفة.

تأتي تصريحات قرقاش لتوضح رؤية الإمارات الثابتة والمتسقة تجاه الأزمة السودانية، والتي ترتكز على الدعوة المستمرة لوقف فوري لإطلاق النار والبدء بعملية سياسية شاملة تقود إلى استعادة الاستقرار وتلبية تطلعات الشعب السوداني. وأشار إلى أن الجهود المبذولة لتصوير موقف الإمارات على نحو مغاير لجوهرها، الذي يدعو إلى السلام وإنهاء معاناة المدنيين، هي محاولات لا تعكس الحقيقة. لطالما أكدت الإمارات على حيادها ومساندتها للجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى تحقيق حل سلمي ودائم للصراع.
خلفية الأزمة السودانية وتداعياتها الإنسانية
اندلع الصراع العنيف في السودان في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، مما ألقى بالبلاد في دوامة من الفوضى والعنف. جاء هذا الصراع بعد فترة من التوترات المتصاعدة أعقبت انقلاب أكتوبر 2021، الذي أطاح بالحكومة الانتقالية المدنية، وأدى إلى تفاقم الخلافات بين الشريكين العسكريين السابقين. كان الخلاف الرئيسي يدور حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني، وهو ما أدى إلى تدهور الوضع الأمني والسياسي بشكل حاد.
تسببت الحرب المستمرة في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. فالملايين من السودانيين نزحوا من ديارهم، إما داخلياً أو عبر الحدود إلى البلدان المجاورة مثل تشاد ومصر وجنوب السودان، بحثاً عن الأمان والمأوى. تشير التقارير إلى أن أكثر من 8.8 مليون شخص نزحوا، منهم حوالي 2 مليون عبروا الحدود، مما يضع ضغطاً هائلاً على الموارد في هذه الدول. كما تسببت الحرب في انهيار البنية التحتية، وشلل الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي، مما فاقم من انتشار الأمراض وسوء التغذية.
تتواتر التقارير عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ترتكبها جميع الأطراف المتحاربة، بما في ذلك استهداف المدنيين، والعنف الجنسي، والنهب الممنهج، والتدمير المتعمد للممتلكات. وقد أدت هذه الفظائع إلى تفاقم معاناة السكان الأبرياء، مما يستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.
الوضع المتأزم في الفاشر وأهميتها الاستراتيجية
تركز تصريحات قرقاش بشكل خاص على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، والتي تشهد تصعيداً خطيراً في العمليات العسكرية. تعتبر الفاشر ذات أهمية استراتيجية بالغة، فهي آخر المدن الرئيسية في دارفور التي لم تسقط بالكامل تحت سيطرة قوات الدعم السريع، كما أنها تمثل مركزاً حيوياً لتوزيع المساعدات الإنسانية للملايين من المحتاجين في المنطقة. الاشتباكات العنيفة حول الفاشر، والتي تشارك فيها القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معهما، أدت إلى محاصرة المدنيين وتسببت في خسائر بشرية فادحة وعرقلت بشكل كبير وصول الإمدادات الإنسانية الضرورية.
لقد أعربت الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية عن قلقها البالغ إزاء الوضع في الفاشر، محذرة من كارثة إنسانية وشيكة في حال استمرار القتال. وتدعو هذه المنظمات إلى وقف فوري للأعمال العدائية والسماح بمرور آمن للمساعدات الإنسانية، فضلاً عن حماية المدنيين من جميع الأطراف. وتتزايد المخاوف من أن تتحول المدينة إلى نقطة اشتعال جديدة في صراع دارفور الطويل الأمد.
الدور الإماراتي والنداءات الدولية
لقد دعت الإمارات العربية المتحدة، من جانبها، باستمرار إلى ضبط النفس ووقف التصعيد في السودان، مع التأكيد على ضرورة حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. وقد قدمت الإمارات مساهمات كبيرة في جهود الإغاثة الإنسانية، حيث أرسلت العديد من الطائرات المحملة بالمساعدات الطارئة إلى السودان وإلى مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة، وذلك في إطار التزامها بدعم الشعب السوداني في محنته. تؤكد الإمارات على أن دورها ينصب في الجانب الإنساني والتنموي، وهي لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول ولا تدعم طرفاً ضد آخر.
يتفق الموقف الإماراتي مع النداءات الدولية الأوسع التي تطالب بوقف الحرب وتسهيل حل سياسي للأزمة. تؤمن الإمارات، شأنها شأن العديد من الفاعلين الدوليين، بأن الحل المستدام للأزمة السودانية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال عملية سياسية شاملة تؤدي إلى تشكيل حكومة مدنية منتخبة. مثل هذه الحكومة ستكون قادرة على معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وتحقيق السلام والعدالة لجميع السودانيين.
أهمية التحول المدني والاستقرار الإقليمي
إن دعوة الإمارات إلى حكومة مدنية في السودان تعكس إدراكاً عميقاً بأن الاستقرار طويل الأمد يتطلب أساساً سياسياً شرعياً وشاملاً. إن العودة إلى الحكم المدني ستوفر الفرصة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطنين، وتعزيز سيادة القانون، وتوفير بيئة مواتية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. بدون هذا التحول، سيبقى السودان عرضة لدورات متكررة من عدم الاستقرار والصراع.
تعتبر الأزمة في السودان ذات تداعيات إقليمية واسعة، حيث تهدد بزعزعة استقرار منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا بأسرها. إن موجات النزوح الكبيرة، وتنامي التحديات الأمنية على الحدود، واحتمالية انتشار الصراع إلى دول الجوار، كلها عوامل تؤكد على ضرورة معالجة الأزمة السودانية بجدية وحزم. لذلك، فإن الجهود الدبلوماسية المستمرة والضغط الدولي الموحد ضروريان لدفع الأطراف المتحاربة نحو طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق ينهي هذه المأساة.
تؤكد تصريحات أنور قرقاش مجدداً على التزام الإمارات القوي بمبادئ السلام والاستقرار والسيادة الإقليمية. وهي رسالة واضحة تدين العنف وتؤيد تطلعات الشعب السوداني نحو مستقبل تسوده الديمقراطية والعدالة والازدهار. يظل الأمل معقوداً على أن تسفر الجهود الدبلوماسية عن حل ينهي هذه الأزمة الإنسانية والسياسية المعقدة.





