البرهان يتعهد بمواصلة القتال ضد الدعم السريع رغم جهود الوساطة الدولية
أكد رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مجدداً على التزام القوات المسلحة بمواصلة عملياتها العسكرية ضد قوات الدعم السريع، في تصريحات تشدد على الموقف العسكري الصارم للجيش على الرغم من تفاقم الأزمة الإنسانية والضغوط الدولية المتزايدة لوقف إطلاق النار. ويأتي هذا التأكيد في ظل استمرار المعارك العنيفة في مناطق استراتيجية مختلفة من البلاد، وفشل متكرر لجهود الوساطة في التوصل إلى حل سياسي دائم.

خلفية الصراع المعقد
اندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023، كنتيجة مباشرة لانهيار العلاقة بين الجيش السوداني بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي). كان الرجلان حليفين سابقين، حيث قادا معاً انقلاباً عسكرياً في أكتوبر 2021 أطاح بالحكومة الانتقالية المدنية، لكن الخلافات العميقة حول خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني، بالإضافة إلى الصراع على النفوذ والسيطرة على موارد الدولة، أدت إلى تفجر المواجهة المسلحة. وسرعان ما تحولت العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، خاصة في إقليم دارفور، إلى ساحات قتال مفتوحة.
تصريحات قائد الجيش والتطورات الميدانية
في خطاباته المتكررة، التي غالباً ما يلقيها خلال زياراته للوحدات العسكرية في الخطوط الأمامية، يصف البرهان قوات الدعم السريع بـ"المتمردين" و"الإرهابيين"، متعهداً بعدم التفاوض معهم حتى يتم القضاء عليهم بالكامل. تعكس هذه اللغة إصرار قيادة الجيش على الحل العسكري، ورفضها لأي تسوية سياسية قد تمنح قوات الدعم السريع شرعية أو دوراً في مستقبل البلاد. على الصعيد الميداني، ورغم تصريحات البرهان، تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على مساحات واسعة من العاصمة، بالإضافة إلى معظم ولايات إقليم دارفور، حيث تتهم بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق تشمل التطهير العرقي. وفي المقابل، يحتفظ الجيش بالسيطرة على قواعده الرئيسية في شرق وشمال البلاد، ويواصل شن غارات جوية وقصف مدفعي على مواقع الدعم السريع، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى سقوط ضحايا مدنيين.
جهود الوساطة المتعثرة والأزمة الإنسانية
فشلت العديد من المبادرات الدبلوماسية في تحقيق تقدم ملموس. وكانت أبرز هذه الجهود هي محادثات جدة التي قادتها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، والتي أسفرت عن عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار لأغراض إنسانية، لكنها سرعان ما انتُهكت من قبل الطرفين. كما باءت جهود أخرى من قبل منظمات إقليمية مثل "إيغاد" والاتحاد الأفريقي بالفشل بسبب انعدام الثقة بين المتحاربين. وقد أدت استمرارية القتال إلى كارثة إنسانية وصفتها الأمم المتحدة بأنها من بين الأسوأ في العالم، حيث تشمل تداعياتها ما يلي:
- مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، بينهم أعداد كبيرة من المدنيين.
- نزوح أكثر من 8 ملايين شخص داخلياً أو لجوئهم إلى دول الجوار مثل تشاد ومصر وجنوب السودان.
- انهيار شبه كامل للنظام الصحي والبنية التحتية الأساسية في مناطق القتال.
- تحذيرات أممية من مجاعة وشيكة تهدد حياة الملايين مع تعثر وصول المساعدات الإنسانية.
- تقارير موثقة عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك العنف الجنسي الممنهج والهجمات على أساس عرقي.
أهمية الموقف وتداعياته المستقبلية
يشير إصرار البرهان على مواصلة القتال إلى أن النزاع قد يطول أمده، مما يزيد من معاناة المدنيين ويعمق الأزمة الإنسانية. كما أن هذا الموقف يعقد جهود المجتمع الدولي لتقديم المساعدات والتوسط للتوصل إلى حل سلمي. إن استمرار الحرب لا يهدد بتفكك الدولة السودانية فحسب، بل يزعزع استقرار منطقة القرن الأفريقي بأكملها، التي تعاني أصلاً من تحديات أمنية واقتصادية. ومع تمسك كل طرف بموقفه العسكري، تبدو آفاق السلام في السودان قاتمة على المدى المنظور، مما يترك الملايين من السودانيين يواجهون مستقبلاً مجهولاً.




