الجيش السوداني ينفي إسقاط طائرة عسكرية ويعزو الحادث لعطل فني وسط مزاعم الدعم السريع
في خضم الصراع المحتدم في السودان، برزت واقعة جديدة تسلط الضوء على الحرب الإعلامية الموازية للمواجهات العسكرية، حيث تضاربت الروايات بين طرفي النزاع حول مصير طائرة شحن عسكرية سقطت في مطلع يونيو 2024 بالقرب من مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان. فبينما أعلنت قوات الدعم السريع مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة، أكد الجيش السوداني أن الحادث نجم عن عطل فني مفاجئ.

الروايات المتضاربة: إسقاط متعمد أم خلل تقني؟
أعلنت قوات الدعم السريع، عبر منصاتها الإعلامية، أنها نجحت في إسقاط طائرة نقل عسكري من طراز "أنتونوف" كانت في مهمة لإلقاء إمدادات عسكرية لقوات الجيش المحاصرة في الفرقة 22 مشاة بمدينة بابنوسة. ولدعم روايتها، نشرت القوات مقاطع فيديو قيل إنها توثق لحظة استهداف الطائرة في الجو وسقوطها، بالإضافة إلى لقطات تظهر حطامها على الأرض. واعتبرت قوات الدعم السريع أن هذه العملية تمثل نجاحاً عسكرياً مهماً يثبت تطور قدراتها في الدفاع الجوي وقدرتها على قطع خطوط الإمداد الجوي عن خصومها.
في المقابل، أصدر المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني بياناً نفى فيه بشكل قاطع صحة مزاعم الدعم السريع. وأوضح البيان أن الطائرة تعرضت لعطل فني طارئ أثناء تنفيذها مهمة إنسانية لتوصيل الإمدادات للقوات في بابنوسة، مما أدى إلى سقوطها. وأكد الجيش أن ما تروجه قوات الدعم السريع هو مجرد "فبركات إعلامية" تهدف إلى تحقيق نصر وهمي ورفع الروح المعنوية المنهارة لمقاتليها، مشدداً على أن الحادث لم يكن نتيجة أي عمل عدائي.
أهمية بابنوسة في سياق الصراع
تكتسب مدينة بابنوسة أهمية استراتيجية بالغة لكلا الطرفين، فهي تعد نقطة وصل حيوية في ولاية غرب كردفان الغنية بالنفط، كما أنها تحتضن مقر قيادة الفرقة 22 مشاة التابعة للجيش. ومنذ أشهر، تفرض قوات الدعم السريع حصاراً خانقاً على هذه القاعدة العسكرية في محاولة للسيطرة عليها بالكامل، بينما يعتمد الجيش بشكل كبير على الإسقاط الجوي لضمان وصول الإمدادات والمؤن لقواته المحاصرة. ويمثل سقوط الطائرة، بغض النظر عن سببه، ضربة لوجستية للجيش، كما يسلط الضوء على الصعوبات التي تواجهها القوات المحاصرة داخل المدينة.
تداعيات الحادث وأبعاده
يتجاوز هذا الحادث كونه مجرد واقعة عسكرية معزولة، ليعكس عدة جوانب مهمة في مسار الحرب السودانية:
- الحرب الإعلامية: يؤكد التضارب في الروايات على أن الحرب الإعلامية لا تقل ضراوة عن المواجهات الميدانية، حيث يسعى كل طرف إلى توظيف مثل هذه الأحداث لصالحه لكسب التأييد الشعبي وتوجيه الرأي العام.
- القدرات العسكرية: إذا صحت رواية قوات الدعم السريع، فإن ذلك يشير إلى امتلاكها أسلحة دفاع جوي فعالة قادرة على تحدي التفوق الجوي الذي تمتع به الجيش السوداني طوال فترة النزاع، مما قد يغير من تكتيكات الحرب بشكل كبير.
- التحديات اللوجستية: أما إذا كانت رواية الجيش هي الصحيحة، فإن الحادث يكشف عن التحديات التي تواجه أسطول النقل الجوي العسكري، وربما يشير إلى مشاكل في صيانة الطائرات التي تعمل في ظروف قتالية صعبة ومستمرة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
في المحصلة، يبقى تحديد السبب الحقيقي وراء سقوط الطائرة أمراً صعباً في ظل غياب جهات تحقيق مستقلة على الأرض. لكن المؤكد أن الحادث يعمق من تعقيدات المشهد العسكري والإنساني في بابنوسة، ويؤكد على استمرار المعارك الشرسة للسيطرة على المواقع الاستراتيجية في السودان.




