الرئيس السيسي يدشن 'صفحة جديدة' لمصر ببدء أعمال محطة الضبعة النووية
في تطور يعكس التزام مصر بمستقبلها في مجال الطاقة المستدامة والمتقدمة، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرًا أن بدء وضع هيكل الاحتواء لمفاعل الوحدة الأولى في محطة الضبعة النووية يمثل تدشين «صفحة جديدة في تاريخ مصر». هذا الإعلان ليس مجرد تصريح عادي، بل هو تأكيد على التقدم المحرز في أحد أضخم المشاريع القومية وأكثرها استراتيجية، والذي يهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في قدرات البلاد على توليد الطاقة.

تعد محطة الضبعة النووية، الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط بمحافظة مطروح، مشروعًا طموحًا يمثل حلمًا مصريًا قديمًا بتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة وتعزيز النمو الاقتصادي. تعود طموحات مصر في امتلاك برنامج نووي سلمي إلى عقود مضت، وقد تجسدت هذه الرؤية في توقيع اتفاقية تعاون شاملة مع روسيا، ممثلة في شركة روساتوم (Rosatom) الحكومية للطاقة الذرية، في عام 2015. وبموجب هذه الاتفاقية، تتولى روساتوم بناء أربع وحدات نووية من طراز VVER-1200، وهي مفاعلات الجيل الثالث المتطور (3+)، بطاقة إجمالية تبلغ 4800 ميجاوات، أي 1200 ميجاوات لكل وحدة.
الخلفية التاريخية والأهداف الاستراتيجية
يمثل مشروع الضبعة النووي ركيزة أساسية ضمن استراتيجية مصر المتكاملة لتنويع مصادر الطاقة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء نتيجة للنمو السكاني والتوسع الصناعي. الأهداف الرئيسية للمشروع تتجاوز مجرد توفير الكهرباء؛ فهي تشمل:
- تحقيق الأمن الطاقوي: ضمان إمدادات ثابتة وموثوقة من الطاقة على المدى الطويل، مما يعزز استقرار الاقتصاد الوطني ويقلل من تأثير التقلبات في أسعار الطاقة العالمية.
- التنمية الاقتصادية: خلق الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، سواء خلال مرحلتي الإنشاء والتشغيل، بالإضافة إلى المساهمة في تنمية الصناعات المحلية ونقل التكنولوجيا وتوطينها.
- الاستدامة البيئية: إنتاج طاقة نظيفة خالية من انبعاثات الكربون الضارة، مما يدعم التزامات مصر الدولية تجاه مكافحة تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
- التقدم التكنولوجي: إدخال مصر إلى نادي الدول المتقدمة في مجال الطاقة النووية، وتنمية الكوادر البشرية المتخصصة في هذا المجال الحيوي والمعقد، مما يعزز القدرات العلمية والهندسية للبلاد.
إنجاز تاريخي: وضع هيكل الاحتواء للوحدة الأولى
إن الخطوة الأخيرة التي أشار إليها الرئيس السيسي، وهي بدء وضع هيكل الاحتواء لمفاعل الوحدة الأولى، تعد من أبرز الإنجازات الهندسية في مسيرة المشروع الضخم. هيكل الاحتواء هو عبارة عن غلاف خرساني وفولاذي ضخم ومتين يحيط بالقلب النووي للمفاعل. وظيفته الأساسية هي توفير طبقة حماية إضافية شديدة الأهمية، مصممة لاحتواء أي مواد مشعة محتملة ومنع تسربها إلى البيئة الخارجية في حال وقوع أي حادث، لا قدر الله. كما أنه يحمي المفاعل من التأثيرات الخارجية مثل الكوارث الطبيعية أو التدخل البشري.
يمثل إتمام هذه المرحلة علامة فارقة في الجدول الزمني للمشروع، حيث يدل على أن أعمال البناء الأساسية للوحدة الأولى تسير بخطى ثابتة وفقًا للخطط الموضوعة. وقد تطلب هذا الإنجاز جهودًا مشتركة وخبرات عالية من فرق عمل مصرية وروسية تعمل بتنسيق تام، مستخدمة أحدث التقنيات والمعايير الدولية للسلامة والأمان النووي، والتي تعد من أعلى المعايير المطبقة على مستوى العالم، وذلك لضمان التشغيل الآمن للمحطة. هذا التقدم يعزز الثقة في قدرة مصر على إنجاز مشروعها النووي بأعلى مستويات الجودة والأمان.
الأهمية الاستراتيجية لمصر في المستقبل
تؤكد تصريحات الرئيس السيسي على أن محطة الضبعة ليست مجرد مشروع لتوليد الكهرباء، بل هي استثمار طويل الأجل في مستقبل مصر وقدراتها الاستراتيجية. فمن خلال هذا المشروع، ترسخ مصر مكانتها كقوة إقليمية ذات ثقل في مجال الطاقة، وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون الدولي ونقل الخبرات. كما يمثل هذا المشروع إشارة قوية على قدرة الدولة المصرية على تنفيذ مشاريع عملاقة تتطلب تخطيطًا دقيقًا، وإدارة فعالة، وتكنولوجيا متقدمة، وهو ما يعزز من مكانتها الإقليمية والدولية.
من المتوقع أن يبدأ تشغيل الوحدة الأولى من المحطة بحلول عام 2028، على أن يتم تشغيل الوحدات الثلاث المتبقية تباعًا خلال السنوات القليلة التي تليها، لتصل المحطة إلى طاقتها التشغيلية الكاملة. ومع اكتمال المحطة وتشغيلها بكامل طاقتها، ستساهم محطة الضبعة النووية بشكل كبير في تلبية احتياجات مصر المتزايدة من الطاقة، وستعزز مرونتها في مواجهة تقلبات أسعار الوقود العالمية، وستدعم مساعيها نحو التحول إلى مركز إقليمي لتصدير الطاقة، مما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني بأكمله.
الرؤية الرئاسية والتطلعات المستقبلية
لطالما شدد الرئيس السيسي على أهمية مشاريع البنية التحتية الكبرى كركيزة أساسية لبناء «الجمهورية الجديدة»، ومحطة الضبعة النووية تندرج ضمن هذه الرؤية الطموحة. فالمشروع لا يتعلق فقط بتوفير الطاقة، بل يمتد ليشمل بناء القدرات البشرية الوطنية، وتوطين الصناعات المكملة، وتوسيع قاعدة الابتكار التكنولوجي في البلاد، مما يخلق بيئة مواتية للنمو المستدام.
إن وصف الرئيس لهذه المرحلة بأنها «صفحة جديدة» يؤكد على أن مصر تتطلع إلى تجاوز التحديات التقليدية للطاقة، والدخول في حقبة تعتمد على مصادر مستدامة وذات تقنية عالية. ومع كل خطوة تنجز في هذا المشروع الضخم، تقترب مصر أكثر من تحقيق رؤيتها الشاملة للتنمية، وتأمين مستقبل مشرق لأجيالها القادمة، وتعزيز مكانتها كدولة رائدة في المنطقة في مجال الطاقة النظيفة والمتقدمة.





