الرئيس السيسي يستجيب لمقترح تعديل قانون الطفل بعد جرائم أثارت الرأي العام
في استجابة للجدل المجتمعي المتصاعد، فُتح النقاش الرسمي حول مراجعة قانون الطفل في مصر، بعد أن علّق الرئيس عبد الفتاح السيسي على مقترحات بتعديله. جاء تعليق الرئيس خلال افتتاح عدد من المشروعات التنموية في صعيد مصر في ديسمبر 2021، وذلك في أعقاب وقوع جرائم خطيرة أثارت صدمة واسعة في الرأي العام المصري، وكان المتهمون فيها من الأطفال دون السن القانونية، مما سلط الضوء على الفجوات المحتملة في التشريعات الحالية وقدرتها على تحقيق الردع والعدالة.

خلفية القضية وسياقها
تصاعدت المطالبات بتعديل قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 وتعديلاته، بعد سلسلة من الحوادث البارزة التي تورط فيها أحداث. من بين هذه القضايا، حادثة دهس طفل لأحد رجال المرور، وقضايا أخرى تتعلق بالعنف والقتل، والتي أظهرت أن مرتكبيها، رغم خطورة أفعالهم، لا يمكن محاكمتهم كبالغين بموجب القانون القائم. ينص القانون المصري على أن من لم يتجاوز عمره 18 عامًا يُعد طفلاً، ويخضع لإجراءات خاصة تهدف في المقام الأول إلى الإصلاح والتأهيل بدلاً من العقاب. ورغم وجود تدابير احترازية وعقوبات مخففة لمن هم فوق 15 عامًا، رأى الكثيرون أنها غير كافية للتعامل مع الجرائم الشديدة الخطورة.
تفاصيل توجيهات الرئيس وردود الفعل الأولية
أكد الرئيس السيسي في حديثه على ضرورة دراسة هذا الملف بشكل متعمق ومتوازن، داعياً إلى حوار مجتمعي شامل تشارك فيه كافة مؤسسات الدولة المعنية، بما في ذلك الحكومة والبرلمان والمجالس المتخصصة كالمجلس القومي للطفولة والأمومة، بالإضافة إلى خبراء القانون وعلم الاجتماع. شدد الرئيس على أن الهدف ليس مجرد تشديد العقوبات، بل الوصول إلى صيغة تحقق التوازن بين أمرين:
- حماية المجتمع وضمان حقوق الضحايا من خلال تحقيق العدالة الرادعة.
- الحفاظ على مستقبل الطفل الجانح ومنحه فرصة للإصلاح وإعادة الاندماج في المجتمع.
هذا التوجيه الرئاسي أعطى دفعة قوية للنقاش، حيث انتقل من كونه مجرد مطالبات شعبية على وسائل التواصل الاجتماعي إلى ملف مطروح على أجندة السلطتين التشريعية والتنفيذية.
محاور النقاش القانوني والمجتمعي
انقسمت الآراء حول كيفية تعديل القانون، ودار النقاش حول عدة محاور رئيسية. يرى فريق من الحقوقيين والسياسيين أن القانون الحالي بحاجة ماسة إلى تعديلات لمواكبة التغيرات الاجتماعية وزيادة حدة الجرائم. ويقترح هؤلاء خفض سن المسؤولية الجنائية في جرائم محددة مثل القتل العمد والاغتصاب والإرهاب، لتصبح 16 عامًا بدلاً من 18، مع إتاحة محاكمة المتهمين في هذه الحالات أمام محاكم الجنايات العادية. يستند هذا الفريق إلى أن التطور التكنولوجي والمعرفي جعل المراهقين أكثر وعياً وإدراكاً لتبعات أفعالهم مقارنة بالماضي.
في المقابل، حذر فريق آخر، يضم منظمات حقوقية وخبراء في حقوق الطفل، من خطورة هذه التعديلات. يؤكد هذا الفريق أن خفض سن المسؤولية الجنائية يتعارض مع التزامات مصر الدولية، خاصة اتفاقية حقوق الطفل التي تُعرّف الطفل بأنه كل من لم يتجاوز الثامنة عشرة. كما يشددون على أن الحل لا يكمن في العقاب، بل في معالجة الأسباب الجذرية لانحراف الأحداث، مثل التفكك الأسري والفقر وغياب التعليم الجيد، مؤكدين على أهمية تعزيز برامج التأهيل النفسي والاجتماعي داخل مؤسسات الرعاية.
الأهمية والخطوات المستقبلية
تكمن أهمية هذه القضية في كونها تمس عصب العدالة الجنائية والمجتمعية في مصر. فالتعديلات المحتملة قد تعيد تشكيل مستقبل نظام قضاء الأحداث بالكامل. بعد توجيهات الرئيس، بدأت لجان برلمانية متخصصة ومؤسسات حكومية في دراسة المقترحات المقدمة وعقد جلسات استماع لتقييم الآثار المختلفة. وحتى الآن، لا يزال النقاش مستمراً بهدف الوصول إلى تشريع جديد يوازن بين حماية المجتمع من الجرائم الخطيرة وبين الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الطفل، مع التركيز على أن تكون أي تعديلات جزءاً من رؤية أشمل للإصلاح الاجتماعي والتعليمي.





