خبير يوضح: الالتزامات الدولية تمنع تعديل قانون الطفل في مصر
يثور الجدل في مصر بشكل متكرر حول مدى كفاية العقوبات المنصوص عليها في قانون الطفل، خاصة في أعقاب الجرائم الخطيرة التي يرتكبها أفراد لم يبلغوا سن الثامنة عشرة. وفي هذا السياق، أكد خبراء قانونيون أن أي محاولة لتعديل القانون لفرض عقوبات أشد، مثل الإعدام، تواجه عائقاً دستورياً وقانونياً يتمثل في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها مصر وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من تشريعاتها الوطنية.

الخلفية القانونية: قانون الطفل المصري
يستند النظام القانوني المصري في التعامل مع الأحداث إلى قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008. يُعرّف هذا القانون "الطفل" بأنه كل من لم يتجاوز عمره ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة. وبموجبه، يُحظر توقيع عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد على الأطفال، حيث يتم استبدال هذه العقوبات بتدابير أخرى تهدف في المقام الأول إلى الإصلاح والتأهيل بدلاً من الردع العقابي الصرف.
وتشمل التدابير التي يمكن تطبيقها على الأطفال الذين يرتكبون جرائم، حتى لو كانت جنايات، الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية المتخصصة لفترة محددة، أو الخضوع لبرامج تدريب مهني. الهدف من هذا النهج هو حماية الطفل وإعادة دمجه في المجتمع، تماشياً مع الفلسفة العالمية للعدالة الجنائية للأحداث.
العقبة الرئيسية: الاتفاقيات الدولية الملزمة
أوضح الخبير القانوني والمحامي بالنقض، هيثم عباس، في تصريحات له، أن السبب الجوهري الذي يمنع تعديل القانون لخفض سن الطفولة أو تشديد العقوبات لتصل إلى الإعدام، هو التزام مصر بمعاهدات دولية لها قوة القانون داخل البلاد. وتأتي في مقدمة هذه الالتزامات:
- اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل لعام 1989: صادقت عليها مصر في عام 1990، وتنص مادتها رقم 37 صراحة على حظر فرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج، على الجرائم التي يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عامًا.
- الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته: وهو يعزز المبدأ نفسه ويحظر العقوبات القاسية واللاإنسانية ضد الأطفال.
تكتسب هذه الاتفاقيات قوتها الإلزامية من المادة 93 من الدستور المصري، التي تنص على أن الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر تكون لها قوة القانون بعد نشرها، مما يعني أنها تسمو على التشريعات المحلية في حال تعارضها معها. وبناءً على ذلك، فإن أي تشريع جديد يخالف هذه الالتزامات الدولية سيكون عرضة للطعن بعدم الدستورية.
سياق الجدل العام والتأثيرات
عادةً ما تتصاعد المطالبات بتعديل قانون الطفل بعد وقوع جرائم عنيفة تثير الرأي العام، حيث يرى البعض أن القانون الحالي يوفر حماية زائدة لمرتكبي الجرائم الخطيرة من المراهقين. إلا أن المنظومة القانونية والدستورية في مصر تضع حداً لهذه المطالبات، مؤكدة على أن حماية حقوق الطفل، بما في ذلك حقه في التأهيل، هي التزام دولي لا يمكن التراجع عنه.
ويؤكد الخبراء أن الحل لا يكمن في تغيير القوانين لتصبح أكثر قسوة، بل في معالجة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع الأحداث إلى ارتكاب الجرائم، وتعزيز دور مؤسسات الرعاية والتأهيل لضمان عدم عودتهم إلى مسار الجريمة مرة أخرى، بما يحقق التوازن بين تحقيق العدالة للضحايا وحماية حقوق الطفل كالتزام قانوني وأخلاقي.





