قضية الطفلة آيسل تثير جدلاً حول قانون الطفل ومسؤولية القُصّر الجنائية
أعادت حادثة الاعتداء المروعة التي أودت بحياة الطفلة الرضيعة آيسل على يد متهم قاصر، فتح نقاش مجتمعي وقانوني واسع في مصر حول مدى كفاية العقوبات المنصوص عليها في قانون الطفل، ومسؤولية الأحداث الجنائية في الجرائم شديدة الخطورة. وقد سلط الحكم الصادر في القضية الضوء على الفجوة بين المطالب الشعبية بتحقيق القصاص الرادع والمحددات التشريعية التي تهدف إلى إصلاح وتأهيل صغار السن.

خلفية القضية وتفاصيل الحادث
وقعت المأساة في محافظة الدقهلية أواخر عام 2023، حيث تعرضت الطفلة آيسل، التي لم تكن تتجاوز العامين من عمرها، للاستدراج والاعتداء الوحشي من قبل جارها، وهو طالب يبلغ من العمر 15 عامًا. نتج عن الاعتداء إصابات بالغة للطفلة، نُقلت على إثرها إلى المستشفى حيث فارقت الحياة بعد أيام قليلة متأثرة بجراحها. أثارت تفاصيل الجريمة حالة من الصدمة والغضب في الشارع المصري، وسرعان ما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على المتهم الذي أقر بارتكاب الواقعة خلال التحقيقات.
المسار القضائي وحكم المحكمة
نظرًا لأن عمر المتهم لم يتجاوز 18 عامًا، تم إحالته إلى محكمة الجنايات للأحداث، وذلك تطبيقًا لأحكام قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996 وتعديلاته. هذا المسار القانوني كان النقطة المحورية في القضية، حيث يمنع القانون تطبيق عقوبات الإعدام أو السجن المؤبد على الأطفال. وفي أوائل عام 2024، أصدرت محكمة جنايات الأحداث بالمنصورة حكمها بمعاقبة المتهم بأقصى عقوبة يسمح بها القانون في مثل هذه الحالات، وهي السجن لمدة 15 عامًا في إحدى مؤسسات الرعاية العقابية للأحداث.
الجدل القانوني: حدود قانون الطفل
أدى الحكم، على الرغم من كونه أقصى عقوبة ممكنة قانونيًا، إلى إثارة جدل واسع. فقد اعتبره الكثيرون، بمن فيهم أسرة الطفلة الضحية، حكمًا غير متناسب مع بشاعة الجريمة ولا يحقق العدالة الكاملة. وارتكز الجدل على المبادئ الأساسية التي يقوم عليها قانون الطفل، والتي تختلف جذريًا عن فلسفة العقاب في قانون العقوبات العام. فالتشريع الخاص بالأطفال يهدف بالدرجة الأولى إلى الإصلاح والتأهيل وليس الردع والانتقام.
ينص قانون الطفل المصري على عدة ضوابط رئيسية للتعامل مع الأحداث الجانحين، أهمها:
- لا يجوز الحكم بالإعدام أو السجن المؤبد أو المشدد على المتهم الذي لم يبلغ عمره ثماني عشرة سنة كاملة وقت ارتكاب الجريمة.
- في الجرائم التي تصل عقوبتها للإعدام أو السجن المؤبد بالنسبة للبالغين، تكون أقصى عقوبة للطفل هي السجن لمدة خمسة عشر عامًا.
- يتم تنفيذ العقوبة في مؤسسات عقابية متخصصة للأحداث تهدف إلى تقويم سلوكهم وإعادة دمجهم في المجتمع.
ويرى المدافعون عن القانون أن هذه النصوص تتماشى مع المواثيق الدولية لحقوق الطفل التي صادقت عليها مصر، وتستند إلى حقيقة أن الأطفال لا يمتلكون الإدراك والوعي الكاملين كالكبار، مما يستوجب معاملتهم جنائيًا بشكل مختلف.
ردود الفعل ومطالبات بتعديل التشريع
في أعقاب الحكم، تعالت أصوات كثيرة من حقوقيين وبرلمانيين وشخصيات عامة تطالب بضرورة مراجعة وتعديل قانون الطفل. تركزت المطالبات على ضرورة تغليظ العقوبات في الجرائم البالغة الخطورة مثل القتل والاغتصاب، أو النزول بسن المسؤولية الجنائية الكاملة عن 18 عامًا في حالات استثنائية. رأى أصحاب هذا التوجه أن التساهل في العقوبة قد يشجع على ارتكاب جرائم مماثلة ويفرغ مفهوم العدالة من مضمونه.
في المقابل، حذرت منظمات حقوقية وخبراء في علم نفس الطفل من خطورة الاستجابة لدعوات التعديل المبنية على ردود الفعل العاطفية. وأكد هؤلاء أن التعامل مع الأطفال الجانحين كبالغين قد يحولهم إلى مجرمين أكثر خطورة بدلاً من إصلاحهم، وأن الحل يكمن في معالجة الأسباب الاجتماعية والنفسية التي تدفع الأحداث لارتكاب الجرائم، مع التركيز على فعالية برامج التأهيل داخل المؤسسات العقابية. لا تزال قضية الطفلة آيسل تشكل علامة فارقة في النقاش العام، وتجسد التحدي المستمر بين تحقيق العدالة للضحايا والالتزام بالمبادئ القانونية لحماية الأطفال ورعايتهم.





