السوداني يربط حصر السلاح في العراق بإنهاء وجود القوات الأمريكية
في تصريح بارز عكس موقف الحكومة العراقية، أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن جهود الدولة لفرض سيطرتها الكاملة على السلاح وحصره في يد الأجهزة الأمنية الرسمية مرهونة بإنهاء وجود قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في البلاد. جاءت هذه التصريحات ضمن مقابلة أُجريت في أواخر يناير 2024، وسط تصاعد التوترات الأمنية والسياسية في العراق والمنطقة، وبدء محادثات رسمية بين بغداد وواشنطن حول مستقبل هذا الوجود العسكري.

خلفية الأزمة: السلاح المنفلت والوجود الأجنبي
يُمثل ملف "حصر السلاح بيد الدولة" أحد أكبر التحديات التي واجهت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003. ويشير هذا المصطلح إلى مساعي الدولة لدمج أو نزع سلاح الفصائل المسلحة المختلفة التي تعمل خارج نطاق السيطرة الكاملة للدولة، والتي يمتلك بعضها ارتباطات سياسية قوية. ويرى العديد من المراقبين أن وجود هذه المجموعات يقوض سيادة القانون ويعرقل استقرار البلاد.
على الجانب الآخر، يتمركز في العراق نحو 2,500 جندي أمريكي ضمن إطار التحالف الدولي الذي تأسس عام 2014 لمحاربة تنظيم "داعش". وبعد إعلان النصر على التنظيم، تحولت مهمة التحالف إلى تقديم المشورة والتدريب والدعم للقوات العراقية، إلا أن وجود هذه القوات أصبح نقطة خلاف سياسي رئيسية، خاصة من قبل الفصائل التي تطالب بانسحابها الكامل.
تصريحات رئيس الوزراء وتوقيتها
جاءت تصريحات السوداني في وقت حاسم، تزامنت مع بدء المباحثات الرسمية بين بغداد وواشنطن عبر "اللجنة العسكرية العليا" المشتركة، والتي تهدف إلى صياغة جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف. وأوضح السوداني أن المبررات لوجود التحالف قد انتفت، مؤكداً أن القوات العراقية أصبحت قادرة على حماية أمن البلاد دون الحاجة لدعم قتالي أجنبي.
وقد ربط رئيس الوزراء بشكل مباشر بين استمرار وجود القوات الأجنبية واستمرار الفصائل المسلحة في الاحتفاظ بأسلحتها، مشيراً إلى أن هذه الفصائل تستخدم الوجود الأجنبي كذريعة لتبرير أنشطتها العسكرية. وأبرزت تصريحاته النقاط التالية:
- إنهاء مهمة التحالف سيُفقد الفصائل المسلحة أحد أهم مبرراتها للاحتفاظ بالسلاح خارج سلطة الدولة.
- القوات العراقية وصلت إلى مستوى متقدم من الجاهزية يجعلها قادرة على مواجهة التحديات الأمنية المتبقية، بما في ذلك فلول تنظيم "داعش".
- الحكومة العراقية تسعى إلى علاقة ثنائية مستدامة مع الولايات المتحدة ودول التحالف الأخرى في مجالات متعددة، بدلاً من العلاقة العسكرية الحالية.
الأبعاد السياسية والتحديات الداخلية
تعكس تصريحات السوداني التوازن الدقيق الذي تحاول حكومته تحقيقه. فهو مدعوم من "الإطار التنسيقي"، وهو تحالف سياسي يضم قوى تمتلك أجنحة عسكرية تطالب بإنهاء الوجود الأمريكي. ومن خلال تبني هذا المطلب رسمياً، يسعى السوداني إلى تعزيز موقفه الداخلي وتأكيد سيادة العراق.
في الوقت نفسه، يواجه تحدي ضمان أن يتم الانسحاب بطريقة منظمة لا تخلق فراغاً أمنياً قد يستغله تنظيم "داعش" مجدداً. كما تهدف الحكومة إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع واشنطن، التي تظل شريكاً مهماً للعراق في مجالات متعددة، مما يجعل المفاوضات الجارية حاسمة لمستقبل العلاقة بين البلدين.
التأثير والخطوات المستقبلية
تعتبر هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة في العلاقة الأمنية بين العراق والولايات المتحدة. فبدلاً من الوجود العسكري ضمن التحالف، تتجه بغداد نحو ترتيبات أمنية ثنائية محددة. وتتركز الأنظار حالياً على نتائج اجتماعات "اللجنة العسكرية العليا"، التي من المتوقع أن تضع خارطة طريق واضحة لخفض عدد القوات الأجنبية تدريجياً ونقل كامل المسؤوليات الأمنية إلى الجانب العراقي. إن نجاح هذه العملية لا يتوقف فقط على المفاوضات، بل أيضاً على قدرة الحكومة العراقية على تنفيذ أجندتها المتعلقة بحصر السلاح بيد الدولة فعلياً، وهو ما يمثل الاختبار الحقيقي لسيادة الدولة العراقية واستقرارها على المدى الطويل.




