رئيس الوزراء العراقي: بغداد أدت دوراً محورياً في الدبلوماسية الإقليمية لدرء التصعيد
في ظل تصاعد التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، أكد رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن بلاده تضطلع بدور دبلوماسي فاعل ومحوري يهدف إلى منع توسع دائرة الصراع وتقريب وجهات النظر بين الأطراف الإقليمية. وتأتي هذه التصريحات في سياق جهود بغداد المستمرة لتعزيز استقرارها الداخلي وتأكيد سيادتها، لا سيما عبر السعي لتحقيق إجماع سياسي على حصر السلاح بيد مؤسسات الدولة الرسمية، وهو ما تعتبره الحكومة أساساً لنجاح سياستها الخارجية المتوازنة.

خلفية الموقف العراقي
يجد العراق نفسه في موقع جيوسياسي معقد، حيث يسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من واشنطن وطهران، وهما طرفان رئيسيان في التوترات الإقليمية. ولطالما شكلت الأراضي العراقية مسرحاً لتصفية الحسابات بين القوى الخارجية، وهو ما تسعى حكومة السوداني إلى تغييره بشكل جذري. تتمثل الاستراتيجية الحالية في تحويل العراق من ساحة صراع إلى جسر للتواصل الدبلوماسي، مستفيدة من علاقاتها التاريخية والجغرافية مع مختلف دول الجوار، بما في ذلك إيران وتركيا ودول الخليج العربي.
ويُعد وجود فصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة الكاملة أحد أكبر التحديات التي تواجه هذه السياسة. فهذه المجموعات، التي يرتبط بعضها بأجندات إقليمية، تقوم أحياناً بأعمال عسكرية، مثل استهداف القواعد التي تضم قوات التحالف الدولي، مما يضع الحكومة العراقية في موقف حرج ويهدد بجر البلاد إلى مواجهة لا ترغب فيها. لذلك، يمثل تأكيد السوداني على ضرورة إنهاء وجود أي سلاح خارج إطار الدولة جزءاً لا يتجزأ من رؤيته لتعزيز دور العراق كوسيط نزيه ومستقل.
جهود دبلوماسية مكثفة
منذ بدء الأزمة في غزة في أكتوبر 2023 وما تلاها من تصعيد إقليمي، كثفت الدبلوماسية العراقية من تحركاتها على مختلف الأصعدة لاحتواء الموقف. وقد شملت هذه الجهود، التي قادها رئيس الوزراء ووزير الخارجية، عدة مسارات رئيسية:
- التواصل مع القادة العرب: أجرى السوداني سلسلة من المباحثات مع قادة دول عربية، مثل الأردن ومصر ودول الخليج، بهدف تنسيق المواقف والدعوة إلى تحرك عربي موحد للضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة ومنع امتداد الصراع إلى دول أخرى.
- الحوار مع إيران: استثمرت بغداد علاقاتها القوية مع طهران في نقل رسائل تدعو إلى ضبط النفس وتجنب الإجراءات التي قد تؤدي إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، خاصة بعد التوترات المباشرة بين إيران وإسرائيل.
- المباحثات مع الولايات المتحدة: شكلت زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى واشنطن مؤخراً محطة هامة في هذه الجهود، حيث تم بحث مستقبل العلاقة الأمنية بين البلدين، بما في ذلك الجدول الزمني لإنهاء مهمة التحالف الدولي. وأكد الجانب العراقي خلال المباحثات على أن استقرار العراق وسيادته يصبان في مصلحة المنطقة بأكملها.
- التأكيد على سيادة العراق: أدانت الحكومة العراقية بشكل متكرر كافة الهجمات التي استهدفت أراضيها، سواء كانت من قبل فصائل مسلحة أو ردود عسكرية أمريكية، معتبرة إياها انتهاكاً لسيادة البلاد وتهديداً لأمن مواطنيها.
الأهمية والسياق الأوسع
يكتسب الدور الدبلوماسي الذي يحاول العراق لعبه أهمية استثنائية في هذه المرحلة الدقيقة. فاستقرار العراق يُعتبر ركيزة أساسية لأمن المنطقة، وأي انهيار للوضع الأمني فيه قد تكون له تداعيات كارثية تتجاوز حدوده. وتسعى بغداد من خلال دبلوماسيتها النشطة إلى إقناع العالم بأنها لم تعد الحلقة الضعيفة في المنطقة، بل يمكنها أن تكون لاعباً إيجابياً يسهم في حل الأزمات بدلاً من استيرادها.
إن نجاح هذه المساعي مرهون بقدرة الحكومة على تحقيق تقدم ملموس في ملف حصر السلاح بيد الدولة، بالإضافة إلى الحفاظ على التوازن الصعب في علاقاتها الخارجية. ويرى مراقبون أن الأشهر القادمة ستكون حاسمة في اختبار قدرة العراق على ترجمة نواياه الدبلوماسية إلى واقع ملموس يساهم فعلياً في تجنيب الشرق الأوسط حرباً مدمرة.





