مستقبل سلاح الفصائل في العراق: جدل يتصاعد وشروط حكومية جديدة
عادت قضية سلاح الفصائل المسلحة خارج سيطرة الدولة في العراق إلى الواجهة بقوة، مثيرة جدلاً سياسياً واسعاً في البلاد. يأتي هذا التجدد في النقاش في أعقاب تصريحات لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، والتي ربط فيها بشكل واضح بين إنهاء وجود القوات الأجنبية وجدولة انسحابها، وبين معالجة ملف الأسلحة التي تمتلكها هذه الجماعات. وقد أثارت هذه التصريحات، التي جاءت في سياق متوتر إقليمياً ومحلياً، تحليلات متباينة حول جدية الحكومة في حصر السلاح بيد الدولة والتحديات التي تواجهها.

خلفية تاريخية معقدة
تعود جذور هذه القضية إلى ما بعد عام 2003، لكنها تبلورت بشكل كبير بعد عام 2014 مع ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي. في ذلك الوقت، تشكلت العديد من الفصائل المسلحة تحت مظلة "الحشد الشعبي" استجابة لفتوى دينية، ولعبت دوراً محورياً في المعارك ضد التنظيم. وفي عام 2016، صدر قانون أضفى الشرعية على هيئة الحشد الشعبي ودمجها ضمن المنظومة الأمنية العراقية الرسمية. على الرغم من ذلك، استمرت بعض الفصائل، خاصة تلك التي تحظى بدعم إقليمي، في العمل بشكل شبه مستقل، محافظة على هياكلها القيادية وأجنداتها الخاصة، مما خلق تحدياً مستمراً لسلطة الدولة ومبدأ احتكارها للقوة.
التطورات الأخيرة وموقف الحكومة
في تصريحات وبيانات متعددة خلال الأشهر الأخيرة، أكدت حكومة السوداني أن برنامجها يهدف إلى إنهاء مهمة التحالف الدولي لمحاربة "داعش" والانتقال إلى علاقات أمنية ثنائية مع دول التحالف. وقد أوضح رئيس الوزراء أن المبرر الذي تستند إليه بعض الفصائل لحمل السلاح، وهو مقاومة الوجود العسكري الأجنبي، سينتهي بمجرد تحقيق الانسحاب الكامل. تربط الحكومة العراقية هذا المسار بشكل مباشر بتهيئة الظروف لنزع سلاح هذه الجماعات أو دمجها بالكامل في المؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية للدولة. ويُنظر إلى هذا الطرح على أنه محاولة من السوداني للموازنة بين ضغوط حلفائه في "الإطار التنسيقي"، الذين يطالبون بإنهاء الوجود الأمريكي، وبين متطلبات فرض سيادة القانون.
ردود فعل متباينة وتحديات قائمة
قوبل الموقف الحكومي بردود فعل مختلفة على الساحة السياسية العراقية. فقد رحبت القوى السياسية والفصائل المسلحة المقربة من إيران بهذا الربط، معتبرة إياه خطوة في الاتجاه الصحيح لتحقيق السيادة الكاملة. في المقابل، أبدت أطراف سياسية أخرى، بما في ذلك قوى مدنية وبعض الكتل السنية والكردية، تشككها في هذه المقاربة، مؤكدة على ضرورة أن يكون حصر السلاح بيد الدولة مبدأ مطلقاً وغير مشروط بوجود قوات أجنبية من عدمه. ويحذر محللون من عدة تحديات رئيسية تواجه هذا المسار:
- النفوذ السياسي للفصائل: تتمتع العديد من هذه الفصائل بأذرع سياسية قوية داخل البرلمان والحكومة، مما يمنحها قدرة على عرقلة أي خطوات قد تعتبرها ماسة بمصالحها.
- الارتباطات الإقليمية: ولاء بعض الفصائل لأجندات خارجية يعقد من مهمة إخضاعها بالكامل للقرار الوطني العراقي.
- صعوبة الدمج: عملية دمج الآلاف من المقاتلين في الهياكل الأمنية الرسمية تمثل تحدياً لوجستياً ومالياً وأمنياً كبيراً.
الأهمية والتداعيات المحتملة
تكتسب هذه القضية أهمية استثنائية لأنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمستقبل استقرار العراق وسيادته. إن نجاح الحكومة في معالجة هذا الملف من شأنه أن يعزز سلطة الدولة، ويحسن البيئة الأمنية، ويشجع على الاستثمار والتنمية الاقتصادية. وعلى العكس، فإن استمرار وجود سلاح خارج إطار المؤسسات الرسمية يبقي البلاد عرضة لعدم الاستقرار الداخلي ويجعلها ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية. لذلك، يُنظر إلى الخطوات التي تتخذها حكومة السوداني في هذا الشأن على أنها اختبار حقيقي لقدرتها على تنفيذ برنامجها الإصلاحي وبناء دولة قوية ومستقرة.





