تداولت منصات التواصل الاجتماعي ومصادر إخبارية مؤخراً مقطع فيديو جديداً يظهر فيه ياسر أبو شباب، الذي يوصف بأنه متزعم لمليشيا "القوات الشعبية في غزة". يأتي هذا الظهور في خضم الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، ويثير تساؤلات حول دوافعه ودلالاته في ظل الاتهامات الموجهة للمجموعة بالتعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي. يُعد هذا الظهور العلني خطوة محفوفة بالمخاطر وتداعيات واسعة، ويضع أبو شباب ومجموعته في دائرة الضوء بين استعراض للنفوذ المزعوم ومواجهة الثمن المحتمل لمثل هذا التعاون.

خلفية الظهور والشخصية
ياسر أبو شباب هو شخصية محلية برز اسمها بشكل لافت خلال الصراع الأخير في قطاع غزة. تشير تقارير فلسطينية وعربية إلى أنه زعيم لما يُعرف بـ"القوات الشعبية في غزة"، وهي جماعة قيل إنها ظهرت أو أعيد تنشيطها في ظروف غامضة وسط الفوضى الأمنية والإنسانية التي تلت العمليات العسكرية الإسرائيلية في أجزاء من القطاع، وتحديداً في المناطق الشمالية. يتهم العديد من الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي، هذه الميليشيا بالعمل كوكيل لجيش الاحتلال الإسرائيلي. يُزعم أن دورها يتمثل في ملء الفراغ الأمني، وجمع المعلومات، وربما المساعدة في إدارة بعض الشؤون المدنية تحت إشراف إسرائيلي، في سياق يهدف إلى إضعاف سلطة الفصائل الفلسطينية المقاومة.
تكتنف هوية أبو شباب وخلفيته الكثير من الغموض، حيث تتحدث بعض الروايات عن كونه قيادياً سابقاً في حركة فتح أو شخصية ذات نفوذ عشائري أو جنائي محلي. ومع ذلك، فإن السرد المهيمن في الإعلام الفلسطيني يصوره على أنه متعاون مع الاحتلال، مما يضع ظهوره الأخير في سياق حساس للغاية، حيث تعتبر المقاومة الفلسطينية أن أي تعامل مع الاحتلال هو خيانة وطنية تستوجب العقاب الشديد.
سياق التوترات والبحث عن بدائل
يأتي ظهور أبو شباب الجديد في وقت حاسم تتكثف فيه النقاشات حول "اليوم التالي" للحرب في غزة. تسعى إسرائيل علناً لتفكيك قدرات حماس العسكرية والإدارية، وتطرح أفكاراً لإنشاء هياكل حكم محلية بديلة لا تخضع لحماس أو للسلطة الفلسطينية بشكلها الحالي. في هذا السياق، يُنظر إلى ظهور شخصيات أو مجموعات مثل "القوات الشعبية" بقيادة أبو شباب على أنه محاولة إسرائيلية لاستغلال الفراغ الأمني والإداري لدفع أجندتها الخاصة لخلق حكم ذاتي محلي موالٍ لها في غزة.
تتهم الفصائل الفلسطينية إسرائيل بمحاولة تكرار نموذج "جيش لبنان الجنوبي" أو "جيش لحد" الذي كان يتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، بهدف خلق قوة محلية عميلة تخدم مصالحها الأمنية والسياسية. وقد رفضت جميع الفصائل الفلسطينية الرئيسية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، أي ترتيبات ما بعد الحرب لا تشمل دوراً مركزياً للسلطة أو لا تحظى بإجماع وطني.
بين الاستعراض ودفع الثمن
يحمل الظهور الأخير لياسر أبو شباب دلالات مزدوجة، يمكن تفسيرها بين محاولة "استعراض" للقوة أو الوجود، وبين إشارة إلى "دفع الثمن" المحتمل لقراراته:
- الاستعراض: قد يكون ظهور أبو شباب، سواء كان مدبراً من قبله أو من قبل الأطراف التي يدّعي البعض أنه يتعاون معها، محاولة لإظهار أنه ما زال يتمتع ببعض النفوذ أو الوجود في أجزاء من غزة. يمكن أن يكون الهدف من ذلك إرسال رسالة إلى السكان المحليين بأن هناك "بدائل" أو "قوى" جديدة في المشهد، أو لطمأنة الجهات التي تدعمه بأنه قادر على التحرك علناً. كما قد يُفسر كجزء من حرب نفسية تهدف إلى إرباك الفصائل الفلسطينية وإظهار أن إسرائيل لديها أوراق تلعب بها على الساحة الداخلية الغزاوية.
- دفع الثمن: على الجانب الآخر، فإن هذا الظهور العلني يحمل مخاطر جسيمة لأبو شباب ومجموعته. في الثقافة الفلسطينية، يُنظر إلى التعاون مع الاحتلال على أنه جريمة لا تغتفر، وكثيراً ما كانت نهايتها وخيمة على المتعاونين. يُتوقع أن تواجه الفصائل الفلسطينية مثل هذه المحاولات بحزم شديد، مما يجعل أبو شباب هدفاً مشروعاً للمقاومة. قد يكون الثمن الذي يدفعه هو حياته أو حياة أتباعه، أو على الأقل العزل التام والوصم الاجتماعي من قبل الغالبية العظمى من الفلسطينيين. هذا الظهور يعرضه لمواجهة حتمية مع الفصائل التي تعتبر وجوده ونشاطه تهديداً مباشراً للمشروع الوطني الفلسطيني.
ردود الفعل والتداعيات المحتملة
فور انتشار مقطع الفيديو، تواصلت ردود الفعل الغاضبة من قبل الفصائل الفلسطينية والناشطين على منصات التواصل الاجتماعي. أدان الكثيرون هذا الظهور، مجددين اتهامات العمالة والخيانة لأبو شباب ومجموعته. وأكدت الفصائل المقاومة أنها لن تسمح بوجود أي قوة عميلة على أرض غزة، وتعهدت بالتعامل بحزم مع أي محاولات لفرض واقع جديد يخدم الاحتلال. هذا يؤشر إلى أن أي دور مستقبلي لأبو شباب أو مجموعته سيكون محفوفاً بالصراعات وقد يؤدي إلى تفجر صراعات داخلية جديدة في القطاع، لا سيما مع سعي المقاومة لفرض سيطرتها الكاملة بعد أي انسحاب إسرائيلي محتمل.
بالإضافة إلى التداعيات الأمنية، فإن الظهور العلني لأبو شباب يعمق الانقسامات الداخلية في غزة ويزيد من تعقيد المشهد السياسي. فهو يقدم دليلاً مرئياً، في نظر البعض، على المحاولات الإسرائيلية لتقسيم المجتمع الفلسطيني وخلق بدائل مزيفة للحكم، مما يزيد من صعوبة التوصل إلى حلول سياسية موحدة ومستدامة لما بعد الحرب. إن هذا المشهد يعكس صراعاً ليس فقط بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، بل أيضاً صراعاً داخلياً حول هوية غزة ومستقبلها.





