الفصائل الفلسطينية تؤكد أن مستقبل غزة قرار داخلي وترفض أي وصاية أجنبية
في بيان مشترك صدر خلال الأيام القليلة الماضية، جددت فصائل فلسطينية رئيسية، بما في ذلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تأكيدها على الرفض القاطع لأي شكل من أشكال الوصاية الدولية أو الأجنبية على قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب. وشدد البيان على أن إدارة القطاع وتحديد مستقبله السياسي والإداري هو شأن فلسطيني داخلي بحت، لا يجوز لأي طرف خارجي التدخل فيه أو فرض حلول من الخارج.

خلفية الموقف وتطوراته
يأتي هذا الموقف الحازم في ظل تصاعد النقاشات الدولية والإقليمية حول ما يُعرف بـ "اليوم التالي" للحرب في غزة. فمنذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في أكتوبر 2023، طرحت عدة قوى دولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، سيناريوهات مختلفة لمستقبل حكم القطاع. تضمنت هذه المقترحات أفكارًا مثل نشر قوات دولية أو عربية لحفظ السلام، أو إنشاء إدارة مدنية مؤقتة تحت إشراف دولي، أو إعادة السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها لتولي زمام الأمور.
تعتبر الفصائل الفلسطينية هذه المقترحات محاولة لفرض واقع جديد يتجاوز إرادة الشعب الفلسطيني ويملي شروطًا خارجية على مستقبل الحكم. وترى أن أي ترتيبات أمنية أو إدارية لا تحظى بتوافق وطني فلسطيني شامل ستكون مصيرها الفشل، وستُعتبر شكلاً من أشكال الاحتلال أو الوصاية التي يناضل الفلسطينيون للتخلص منها.
أبرز نقاط الموقف الفلسطيني الموحد
ترتكز رؤية الفصائل المعلنة على عدة مبادئ أساسية تمثل خطوطًا حمراء بالنسبة لها في أي مفاوضات مستقبلية حول غزة، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- السيادة الفلسطينية الكاملة: التأكيد على أن أي حل لمستقبل غزة يجب أن ينطلق من مبدأ السيادة الفلسطينية الكاملة على أراضيها، ورفض أي وجود عسكري أو أمني أجنبي دائم على أرض القطاع.
 - الإدارة شأن داخلي: تعتبر الفصائل أن اختيار شكل الإدارة وآلياتها، سواء كانت حكومة وحدة وطنية أو أي ترتيب آخر، هو قرار يعود للفلسطينيين وحدهم عبر الحوار والتوافق الوطني.
 - رفض الحلول المجتزأة: يتمسك البيان برؤية شاملة للقضية الفلسطينية، مؤكدًا أن مستقبل غزة لا يمكن فصله عن مستقبل الضفة الغربية والقدس، وضرورة العمل نحو حل وطني موحد.
 - إعادة الإعمار دون شروط سياسية: بينما ترحب الفصائل بالجهود الدولية للمساهمة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، فإنها ترفض ربط هذه المساعدات بأي شروط سياسية أو أمنية تمس السيادة الفلسطينية أو تفرض وصاية مقنّعة.
 
الأهمية والتحديات المستقبلية
تكمن أهمية هذا البيان في كونه رسالة واضحة موجهة إلى المجتمع الدولي والأطراف الإقليمية بأن أي محاولة لتجاوز القوى الفاعلة على الأرض في غزة لن تكون قابلة للتطبيق. كما أنه يضع الكرة في ملعب الحوار الفلسطيني الداخلي، ويضغط باتجاه ضرورة تجاوز الانقسامات التاريخية، خاصة بين حركتي فتح وحماس، للوصول إلى رؤية مشتركة للمرحلة المقبلة.
ومع ذلك، يواجه هذا الموقف تحديات كبيرة. فالموقف الإسرائيلي والأمريكي لا يزال يرفض بشكل قاطع أي دور لحركة حماس في مستقبل غزة. كما أن السلطة الفلسطينية في رام الله، رغم تأكيدها على ضرورة عودتها لحكم القطاع، تواجه ضغوطًا دولية لإجراء إصلاحات جوهرية كشرط مسبق لتولي هذه المسؤولية، وهو ما يضعها في موقف معقد بين المطالب الدولية والموقف الموحد للفصائل. ويبقى السؤال الأبرز هو مدى قدرة القوى الفلسطينية على ترجمة هذا الموقف المبدئي إلى خطة عمل واقعية تحظى بقبول داخلي ودعم إقليمي ودولي.





