مسودة قرار أميركية في مجلس الأمن: إدارة غزة دولياً حتى عام 2027
كشفت تقارير إعلامية، أبرزها تقرير لموقع أكسيوس في أواخر يناير 2024، أن الولايات المتحدة قد قدمت مسودة قرار إلى أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تتضمن خطة طموحة لإدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الصراع. تقترح المسودة إنشاء قوة دولية متعددة الجنسيات تتولى مسؤولية الإشراف على الأمن وإعادة الإعمار في القطاع لمدة لا تقل عن عامين، مما يمتد الإشراف الدولي المحتمل على غزة حتى عام 2027. ووفقاً لهذه المسودة، ستقوم واشنطن، بالتعاون مع دول أخرى لم يتم تسميتها بعد، بتشكيل هذه القوة والإشراف على مهامها خلال هذه الفترة الانتقالية الحاسمة.

الخلفية والسياق
يأتي هذا المقترح في ظل الأزمة الإنسانية غير المسبوقة والدمار الهائل الذي يشهده قطاع غزة جراء الصراع الدائر منذ أكتوبر 2023 بين إسرائيل وحركة حماس. فمع استمرار العمليات العسكرية وتزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، تتصاعد التساؤلات حول مستقبل القطاع، خاصة في ظل غياب رؤية واضحة وشاملة لكيفية إدارة غزة بعد انتهاء القتال. تسعى إسرائيل للقضاء على قدرات حماس العسكرية والإدارية، بينما يؤكد الفلسطينيون على حقهم في تقرير المصير ورفض أي احتلال أو وصاية أجنبية. في هذا السياق المعقد، يبرز المقترح الأمريكي كمحاولة لسد الفراغ الأمني والإداري المتوقع، وتهيئة الظروف لعملية إعادة إعمار واسعة النطاق، وضمان عدم عودة المجموعات المسلحة.
تفاصيل المسودة المقترحة
تنص المسودة الأمريكية على ضرورة تأسيس قوة دولية في غزة تتمتع بالصلاحيات اللازمة لتحقيق الاستقرار. تشمل المهام الرئيسية لهذه القوة:
- حفظ الأمن والاستقرار: منع عودة الفوضى أو ظهور جماعات مسلحة جديدة بعد انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية.
 - تسهيل وصول المساعدات الإنسانية: ضمان تدفق المساعدات وتوزيعها بفاعلية على السكان المتضررين.
 - الإشراف على إعادة الإعمار: تنسيق الجهود الدولية لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة في القطاع.
 - دعم الانتقال السياسي: تهيئة الظروف لعملية سياسية تهدف إلى إنشاء حكم فلسطيني شرعي وموثوق به، دون فرض حلول من الخارج.
 
التركيز على مدة لا تقل عن عامين يشير إلى إدراك واشنطن لحجم التحديات وطول المدة اللازمة لتحقيق الاستقرار الكافي والانتقال السلس. وتمنح المسودة الولايات المتحدة ودولاً أخرى دوراً قيادياً في تشكيل هذه القوة وتوجيهها.
الأهداف والتبريرات
يهدف المقترح الأمريكي إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية. أولاً، يسعى إلى منع حدوث فراغ أمني في غزة بعد الصراع، والذي قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى أو عودة حماس أو ظهور جماعات متطرفة أخرى. ثانياً، يهدف إلى توفير بيئة آمنة ومستقرة تسمح بجهود الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار الضرورية لإنقاذ حياة المدنيين وإعادة تأهيل البنية التحتية. ثالثاً، يطمح المقترح إلى تهيئة الظروف لظهور إدارة فلسطينية موثوقة وقادرة على حكم غزة بشكل فعال، وهو ما يتطلب وقتاً وجهوداً كبيرة لدعم بناء المؤسسات. وأخيراً، يمكن أن يلبي هذا المقترح بعض المطالب الأمنية الإسرائيلية بشكل غير مباشر من خلال ضمان نزع السلاح ومراقبة الحدود، مع محاولة التوفيق بينها وبين الحاجة إلى حل مستدام يحفظ كرامة الفلسطينيين.
ردود الفعل والتحديات
من المتوقع أن يواجه المقترح الأمريكي ردود فعل متباينة وتحديات كبيرة. على الصعيد الفلسطيني، من المرجح أن ترفض غالبية الفصائل، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، أي شكل من أشكال الوصاية الدولية أو الاحتلال الأجنبي، مؤكدة على حق الشعب الفلسطيني في إدارة شؤونه بنفسه. وتدعو الفصائل إلى تمكين السلطة الفلسطينية أو تشكيل حكومة توافق وطني. أما إسرائيل، فبينما قد ترحب بالجانب الأمني في المقترح، قد تكون لديها تحفظات على التفويض الكامل للقوة الدولية أو مشاركة دول معينة. دول عربية ودول أخرى في مجلس الأمن قد تكون منقسمة؛ فبعضها قد يرى في المقترح حلاً مؤقتاً ضرورياً لضمان الاستقرار، بينما قد يرى البعض الآخر فيه انتهاكاً للسيادة الفلسطينية، ويشدد على ضرورة حل الدولتين كإطار شامل. تشمل التحديات العملية للمسودة:
- الحصول على موافقة جميع الأطراف: وخاصة من الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو أمر صعب للغاية نظراً للخلافات العميقة.
 - التمويل وتحديد الصلاحيات: ستكون هناك حاجة إلى تمويل ضخم وتفويض واضح ومحدد للقوة الدولية لتجنب الالتباسات والصراعات.
 - تجنب التورط في النزاع: يجب أن تكون القوة الدولية محايدة قدر الإمكان لتجنب أن تصبح طرفاً في النزاع المستمر.
 - اختيار الدول المشاركة: تحديد “الدول الأخرى” التي ستشارك في القوة الدولية قد يثير حساسيات سياسية.
 - التعقيدات اللوجستية والأمنية: نشر قوة بهذا الحجم في بيئة معقدة مثل غزة يمثل تحدياً لوجستياً وأمنياً هائلاً.
 
المستقبل المحتمل
على الرغم من التحديات، فإن تقديم هذه المسودة يشير إلى سعي أميركي جاد لإيجاد حل طويل الأمد لمستقبل غزة. قد تكون هذه المسودة نقطة انطلاق لمناقشات أوسع داخل مجلس الأمن وخارجه حول كيفية تحقيق الاستقرار في القطاع، ووضع أساس لعملية سياسية مستقبلية شاملة. إنها تؤكد على أن أي حل مستدام يجب أن يأخذ في الاعتبار تطلعات الفلسطينيين للأمن والسيادة، وأن يكون جزءاً من رؤية أوسع للسلام في المنطقة.




