القضاء التركي يصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وبن غفير وكاتس
في خطوة قضائية تعكس التوتر المتصاعد في العلاقات التركية الإسرائيلية وتأتي ضمن سياق أوسع من الضغوط الدولية، أصدرت محكمة الجنايات العليا السابعة في إسطنبول، في منتصف شهر مايو 2024، مذكرات توقيف بحق عدد من المسؤولين الإسرائيليين البارزين. تشمل هذه المذكرات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير الخارجية إسرائيل كاتس. تأتي هذه الأوامر القضائية استجابة لطلب من مكتب المدعي العام في إسطنبول، على خلفية اتهامات تتعلق بـ«جرائم الإبادة الجماعية» و«الجرائم ضد الإنسانية» و«جرائم الحرب» المرتكبة في قطاع غزة.

تفاصيل القرارات القضائية والخلفية
استند قرار محكمة إسطنبول إلى سلسلة من الشكاوى التي قدمتها جمعيات محامين ومنظمات حقوقية تركية، تدعو إلى محاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي خلال العمليات العسكرية في غزة. وقد توسعت قائمة المطلوبين لتشمل ما يقرب من 37 شخصية، إلا أن الأسماء الثلاثة المذكورة أعلاه حظيت بأكبر قدر من الاهتمام نظراً لمناصبهم الرفيعة.
تُعد هذه الخطوة امتداداً للموقف التركي الصارم تجاه الحرب في غزة. لطالما انتقدت تركيا، وعلى رأسها الرئيس رجب طيب أردوغان، بشدة السياسات الإسرائيلية، ووصفت بعض الإجراءات بأنها ترقى إلى مستوى «جرائم الحرب» و«الإبادة الجماعية». في الأشهر الأخيرة، شهدت العلاقات بين البلدين تدهوراً غير مسبوق، وصل إلى حد قطع تركيا للعلاقات التجارية مع إسرائيل بشكل كامل في شهر مايو 2024. تعكس هذه المذكرات القضائية تصميماً تركياً على استخدام الأدوات القانونية المتاحة لدعم القضية الفلسطينية ومحاسبة من تعتبرهم مسؤولين عن المعاناة في غزة.
تستند صلاحية القضاء التركي للنظر في قضايا كهذه إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح للدول بملاحقة مرتكبي جرائم دولية خطيرة، مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو جنسية الجناة والضحايا. هذا المبدأ مكرس في التشريعات التركية التي تتبنى مواد مستوحاة من القانون الجنائي الدولي.
السياق الدولي والتداعيات المحتملة
تتزامن مذكرات التوقيف التركية مع تصاعد الضغوط القانونية الدولية على إسرائيل. ففي وقت سابق من مايو 2024، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، إلى جانب قادة من حركة حماس، بتهم مماثلة. كما تواجه إسرائيل دعاوى أمام محكمة العدل الدولية بشأن اتهامات بالإبادة الجماعية رفعتها جنوب إفريقيا. هذه التطورات تشير إلى اتجاه عالمي متزايد نحو محاولة فرض المساءلة القانونية على أطراف النزاع.
من الناحية العملية، فإن الأثر الفوري لمذكرات التوقيف التركية قد يكون محدوداً. بما أن تركيا وإسرائيل لا تملكان اتفاقية تسليم مجرمين، فمن غير المرجح أن يتم تسليم المسؤولين الإسرائيليين إذا ما دخلوا الأراضي التركية، ما لم تتغير الظروف السياسية بشكل جذري. ومع ذلك، فإن هذه المذكرات قد تحمل تبعات رمزية ودبلوماسية كبيرة:
- قيود السفر: قد تفرض المذكرات قيوداً على سفر المسؤولين المستهدفين إلى تركيا، وتضيف طبقة من التعقيد لأي دبلوماسية مستقبلية محتملة.
- مذكرات الإنتربول: نظرياً، يمكن لتركيا أن تطلب من الإنتربول إصدار «نشرات حمراء» لتسهيل اعتقال وتسليم هؤلاء الأفراد، لكن الإنتربول غالباً ما يتجنب التدخل في القضايا ذات الطابع السياسي الواضح.
- تدهور العلاقات: ستزيد هذه الخطوة من عمق الشرخ في العلاقات التركية الإسرائيلية، وتُرسخ صورة تركيا كداعم قوي للقضية الفلسطينية في المنطقة والعالم الإسلامي.
- سابقة قانونية: يمكن أن تُشكل هذه المذكرات سابقة تشجع دولاً أخرى أو هيئات قضائية على اتخاذ خطوات مماثلة، خاصة في الدول التي تتبنى مبدأ الولاية القضائية العالمية.
ردود الفعل والتحليلات
من المتوقع أن ترفض إسرائيل هذه المذكرات جملة وتفصيلاً، وتعتبرها ذات دوافع سياسية ومحاولة لتشويه سمعة قادتها الشرعيين. قد تصدر الحكومة الإسرائيلية بيانات تدين هذه الخطوة وتؤكد على حقها في الدفاع عن النفس. على الجانب التركي، ستلقى هذه القرارات ترحيباً واسعاً من الأوساط المؤيدة للفلسطينيين وجمعيات حقوق الإنسان، وسيُنظر إليها كدليل على التزام تركيا بالعدالة.
يرى المحللون أن مذكرات التوقيف التركية، حتى لو كانت ذات تأثير عملي محدود في المدى القصير، تحمل ثقلاً رمزياً كبيراً. إنها تعزز السردية التركية المعارضة للسياسات الإسرائيلية وتضع ضغوطاً إضافية على القيادة الإسرائيلية في الساحة الدولية. كما أنها تؤكد على أن النزاع في غزة لم يعد مجرد قضية سياسية أو عسكرية، بل يتجه بشكل متزايد ليصبح قضية قانونية تتطلب المساءلة الدولية.
في الختام، تُشكل أوامر الاعتقال الصادرة عن القضاء التركي بحق نتنياهو، بن غفير، وكاتس منعطفاً هاماً. إنها لا تعكس فقط تدهور العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، بل تُسلط الضوء أيضاً على تزايد الدعوات الدولية للمساءلة القانونية بشأن الصراع في غزة، وتُقدم مثالاً على كيفية استخدام الدول لولايتها القضائية المحلية في محاولة للتأثير على القضايا الدولية المعقدة.


