القوات الإسرائيلية تعترض أسطول الحرية في المياه الدولية وتسيطر على سفنه بالقوة
في ساعات الفجر الأولى من يوم 31 مايو 2010، وقعت مواجهة عنيفة في المياه الدولية قبالة سواحل قطاع غزة، حيث اعترضت قوات كوماندوز تابعة للبحرية الإسرائيلية قافلة سفن عُرفت باسم "أسطول الحرية". كانت القافلة، المكونة من ست سفن، تحمل على متنها مئات النشطاء المؤيدين للفلسطينيين من جنسيات مختلفة، بالإضافة إلى آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية ومواد البناء، بهدف كسر الحصار المفروض على قطاع غزة.

خلفية الأزمة: حصار غزة وأهداف الأسطول
انطلق أسطول الحرية في ظل حصار بري وبحري وجوي فرضته إسرائيل على قطاع غزة منذ عام 2007 بعد سيطرة حركة حماس على القطاع. ذكرت إسرائيل أن الحصار ضروري لمنع تهريب الأسلحة إلى الحركة، بينما اعتبرته المنظمات الدولية والإنسانية عقابًا جماعيًا يفاقم الأوضاع المعيشية لنحو مليوني فلسطيني. تم تنظيم القافلة من قبل ائتلاف من المنظمات، أبرزها "حركة غزة الحرة" و"هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH)"، بهدف مزدوج: تقديم مساعدات إنسانية مباشرة للسكان، ولفت انتباه العالم إلى الأزمة الإنسانية في غزة عبر تحدي الحصار بشكل مباشر وسلمي.
تفاصيل الهجوم في المياه الدولية
رغم أن الأسطول كان يبحر في مياه دولية، على بعد حوالي 64 كيلومترًا (40 ميلًا) من الساحل، حاصرته زوارق حربية إسرائيلية وطالبته بتغيير مساره نحو ميناء أشدود الإسرائيلي. بعد رفض قادة الأسطول الانصياع، بدأت عملية الاقتحام، حيث نزل جنود الكوماندوز الإسرائيليون من المروحيات وعلى متن الزوارق السريعة إلى أسطح السفن. شهدت معظم السفن مقاومة سلبية، لكن المواجهة تصاعدت بشكل كبير على متن السفينة الأكبر، "مافي مرمرة"، التي كانت ترفع العلم التركي. أظهرت مقاطع الفيديو التي تم بثها لاحقًا اشتباكات عنيفة بين النشطاء والجنود، حيث استخدم بعض النشطاء قضبانًا حديدية وأدوات أخرى لمقاومة الاقتحام، بينما استخدم الجنود الإسرائيليون الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت. أسفرت المواجهات عن مقتل تسعة نشطاء (ثمانية أتراك وأمريكي من أصل تركي)، وتوفي ناشط عاشر لاحقًا متأثرًا بجراحه. كما أصيب العشرات من النشطاء والجنود الإسرائيليين بجروح متفاوتة.
التداعيات وردود الفعل الدولية
أثارت الحادثة موجة غضب وإدانات دولية واسعة النطاق. وصفت العديد من الدول والمنظمات، بما في ذلك الأمم المتحدة، استخدام إسرائيل للقوة بأنه مفرط وغير متناسب، خاصة أن العملية تمت في المياه الدولية، مما يثير تساؤلات حول قانونيتها. أدت الأزمة إلى تدهور حاد في العلاقات بين إسرائيل وتركيا، التي كانت حليفًا استراتيجيًا لها، حيث قامت أنقرة بسحب سفيرها وطرد السفير الإسرائيلي وخفضت مستوى العلاقات الدبلوماسية والعسكرية. شملت أبرز التبعات ما يلي:
- تحقيقات دولية: دعا مجلس الأمن الدولي إلى إجراء تحقيق فوري ومحايد. خلص تحقيق أجراه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أن القوات الإسرائيلية انتهكت القانون الدولي. في المقابل، توصل تقرير "بالمر" الذي أعدته لجنة تابعة للأمم المتحدة إلى أن الحصار البحري الإسرائيلي على غزة كان قانونيًا، لكنه وصف استخدام القوة من قبل الجنود الإسرائيليين بأنه "مفرط وغير معقول".
- تخفيف الحصار: تحت الضغط الدولي الهائل، أعلنت إسرائيل بعد أسابيع من الحادثة عن تخفيف الحصار على غزة، وسمحت بدخول جميع السلع المدنية، مع الإبقاء على قيود مشددة على مواد البناء والمواد التي تعتبرها "مزدوجة الاستخدام".
- مسار قضائي ودبلوماسي: استمرت التداعيات لسنوات، حيث توصلت إسرائيل وتركيا في عام 2016 إلى اتفاق لتطبيع العلاقات، تضمن دفع إسرائيل تعويضات بقيمة 20 مليون دولار لأسر الضحايا.
الأهمية والسياق الأوسع
تُعد حادثة أسطول الحرية علامة فارقة في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث سلطت الضوء بشكل غير مسبوق على الأبعاد الإنسانية لحصار غزة، ووضعت شرعية الحصار نفسه في قلب النقاش الدولي. كما كشفت عن استعداد النشطاء الدوليين لتحمل مخاطر كبيرة لتحدي السياسات الإسرائيلية، وفي المقابل، أظهرت عزم إسرائيل على فرض حصارها بالقوة حتى في المياه الدولية. لا تزال الحادثة مرجعًا مهمًا عند الحديث عن القانون البحري الدولي، وحقوق الإنسان، وتكتيكات المقاومة السلمية في مواجهة الحصارات العسكرية.





