سوني تنهي أنشطة تطوير الرقائق في إسرائيل
كشفت تقارير إخبارية صدرت مطلع شهر مارس 2024، أبرزها ما نشرته صحيفة غلوبس الاقتصادية الإسرائيلية، عن قرار شركة سوني اليابانية العملاقة إنهاء عملياتها الخاصة بتطوير الرقائق الدقيقة في إسرائيل. يأتي هذا القرار في إطار إعادة هيكلة استراتيجية للشركة، ومن المتوقع أن يؤثر على عدد من المهندسين والمتخصصين في مجال التكنولوجيا الفائقة.
يمثل هذا التخارج تحولًا ملحوظًا في استراتيجية سوني بمنطقة الشرق الأوسط وقد يثير تساؤلات حول مستقبل الاستثمار الأجنبي في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، المعروف بقوته في الابتكار.
الخلفية: وجود سوني في إسرائيل
لم تكن سوني لاعباً رئيسياً في سوق التكنولوجيا الإسرائيلية من حيث الحجم مقارنة ببعض الشركات متعددة الجنسيات الأخرى، ولكن وجودها كان رمزياً ومهماً. كانت الشركة قد أسست وحدة صغيرة لتطوير الرقائق في إسرائيل، يُعتقد أنها تركزت على تخصصات دقيقة مثل معالجة الإشارات الرقمية أو مكونات الذكاء الاصطناعي لأجهزة الاستشعار المتطورة، وهي مجالات تتفوق فيها إسرائيل. وقد استند هذا الوجود إلى سمعة إسرائيل كـ "دولة الشركات الناشئة" التي تتميز بوجود مجموعة كبيرة من المواهب الهندسية والابتكار في مجال التكنولوجيا العميقة (Deep Tech).
لطالما سعت الشركات العالمية الكبرى مثل سوني إلى الاستفادة من هذه المواهب لتغذية أقسام البحث والتطوير لديها، لا سيما في القطاعات سريعة التطور مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي. إلا أن طبيعة الوحدة الإسرائيلية التابعة لسوني كانت تركز على مشاريع بحث وتطوير محددة للغاية، بدلاً من عمليات إنتاج واسعة النطاق.
التطورات الأخيرة وأسباب القرار
وفقًا للتقارير، فإن قرار إنهاء أنشطة تطوير الرقائق في إسرائيل ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تقييم استراتيجي أوسع نطاقاً داخل شركة سوني العالمية. يُعزى هذا القرار إلى عدة عوامل رئيسية:
- إعادة التنظيم الاستراتيجي: تسعى سوني إلى ترشيد جهود البحث والتطوير العالمية لديها، مع التركيز على دمج الموارد وتعزيز التآزر بين فرقها المختلفة في المراكز الرئيسية مثل اليابان والولايات المتحدة.
- تركيز الموارد: تفضل سوني تركيز استثماراتها في تطوير الرقائق ضمن مجالاتها الأساسية التي تحقق فيها ريادة عالمية، مثل مستشعرات الصور (image sensors) التي تعد سوني أكبر مورد لها عالمياً، وقد تكون أنشطة الوحدة الإسرائيلية لا تتناسب تمامًا مع هذا التوجه الجديد.
- الكفاءة التشغيلية: قد تكون التكاليف التشغيلية المرتفعة المرتبطة بإدارة وحدة بحث وتطوير صغيرة ومنفصلة في سوق تنافسية مثل إسرائيل قد لعبت دورًا في القرار، مع سعي الشركة لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة.
- بيئة السوق: على الرغم من متانة قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، إلا أن بيئة المنافسة الشديدة وارتفاع تكاليف المواهب قد تجعل الشركات الكبرى تعيد تقييم جدوى الحفاظ على وحدات صغيرة بعيداً عن مراكزها الرئيسية.
من المتوقع أن يتم إغلاق الوحدة الإسرائيلية بشكل كامل خلال الأشهر القادمة، مع تقديم تعويضات ومساعدات للموظفين المتأثرين، الذين يُقدر عددهم ببضع عشرات من المهندسين ذوي الكفاءة العالية.
التأثيرات المحتملة
على الرغم من أن وحدة سوني لتطوير الرقائق في إسرائيل كانت صغيرة نسبياً، إلا أن قرار إغلاقها يحمل دلالات هامة:
- على قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي: قد يُنظر إلى هذا التخارج على أنه انتكاسة رمزية لقطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل، الذي يعتمد بشكل كبير على الاستثمار الأجنبي المباشر. ومع ذلك، فإن حجم الوحدة يعني أن التأثير الاقتصادي المباشر سيكون محدوداً. قد يثير القرار تساؤلات حول قدرة إسرائيل على الاحتفاظ بمراكز البحث والتطوير للشركات العالمية في ظل البيئة الاقتصادية والجيوسياسية المتغيرة.
- على شركة سوني: لن يكون للقرار تأثير مالي كبير على سوني نظراً لحجم الوحدة، ولكنه يعكس تركيزاً استراتيجياً متجدداً على المجالات الأساسية وتحسين الكفاءة التشغيلية عبر دمج القدرات الهندسية.
- على الموظفين: سيواجه المهندسون المتأثرون تحدي إيجاد فرص عمل جديدة، إلا أن سوق العمل الإسرائيلي في مجال التكنولوجيا لا يزال نشطًا ويشهد طلبًا مرتفعًا على المواهب في مجال أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.
يبقى هذا التطور مؤشراً على الطبيعة الديناميكية لسوق التكنولوجيا العالمي، حيث تتخذ الشركات قرارات استراتيجية مستمرة للتكيف مع المتغيرات الاقتصادية والتقنية لتحقيق أهدافها طويلة الأجل.





