الكشف عن حقيقة صورة متداولة لهجوم عسكري مزعوم للجيش الصحراوي في الصحراء الغربية
في أواخر أكتوبر وبداية نوفمبر من عام 2023، ومع تصاعد التوترات في إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه، انتشرت بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة موقع «إكس» (المعروف سابقًا بتويتر)، صورة يُزعم أنها تُظهر شن الجيش الصحراوي هجومًا عسكريًا على مدينة السمارة. جاء تداول هذه الصورة عقب أيام قليلة من تبني مجلس الأمن الدولي قرارًا جديدًا بشأن تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، مما أضاف طبقة من التعقيد والجدل إلى الوضع المتوتر أصلًا.

خلفية النزاع في الصحراء الغربية
تُعد قضية الصحراء الغربية من أقدم النزاعات في إفريقيا، حيث يعود تاريخها إلى انسحاب إسبانيا من الإقليم في عام 1975. تتنازع كل من المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، التي أعلنت قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، على سيادة الإقليم. تعتبر المغرب الصحراء الغربية جزءًا لا يتجزأ من أراضيها وتقترح خطة حكم ذاتي واسع النطاق تحت سيادتها. في المقابل، تطالب جبهة البوليساريو بإجراء استفتاء لتقرير المصير، وهو ما كان أساسًا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وُقع عام 1991 تحت رعاية الأمم المتحدة.
تضطلع بعثة المينورسو بمهمة مراقبة وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء تقرير المصير، وهو الاستفتاء الذي لم يتم تنظيمه حتى الآن. عادة ما تتجدد ولاية المينورسو سنويًا، وتصدر قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالإقليم بانتظام. في 30 أكتوبر 2023، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2703، الذي مدد ولاية المينورسو حتى 31 أكتوبر 2024. وقد أشار القرار إلى خطة الحكم الذاتي المغربية المقدمة في عام 2007 باعتبارها جهدًا جادًا وذا مصداقية للمضي قدمًا بالعملية السياسية، كما دعا الأطراف إلى مواصلة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم يقوم على التوافق.
تفاصيل الصورة المتداولة وحادثة السمارة
تزامنت عملية تداول الصورة المزعومة مع تقارير عن وقوع هجوم فعلي على مدينة السمارة، وهي مدينة تقع في الصحراء الغربية. ففي 28 أكتوبر 2023، أفادت تقارير بأن مدينة السمارة تعرضت لقصف بقذائف هاون، مما أسفر عن سقوط قتيل واحد وعدد من الجرحى، بالإضافة إلى أضرار مادية. حمّلت السلطات المغربية جبهة البوليساريو مسؤولية هذا الهجوم، بينما لم تُصدر البوليساريو بيانًا مباشرًا يخص السمارة، ولكنها غالبًا ما تعلن عن استهداف مواقع عسكرية مغربية في الإقليم.
في هذا السياق المتوتر، برزت الصورة المتداولة على «إكس» والتي يدّعي ناشروها أنها توثق لحظة القصف الذي نفذه الجيش الصحراوي على السمارة. أثارت الصورة جدلاً واسعًا وسرعان ما بدأت عمليات التدقيق والتحقق من صحتها من قبل وسائل إعلام ومنصات متخصصة في مكافحة الأخبار الكاذبة.
عمليات التحقق من صحة الصورة
أظهرت التحقيقات التي أجرتها عدة جهات متخصصة في التحقق من الحقائق أن الصورة المتداولة لا علاقة لها بالهجوم على السمارة في أكتوبر 2023. تشير النتائج إلى أن الصورة قديمة أو أنها تعود لحدث مختلف تمامًا أو من منطقة جغرافية أخرى. غالبًا ما يتم استخدام صور قديمة أو مضللة لإضفاء مصداقية على روايات معينة أو لتأجيج التوترات في أوقات الأزمات. على سبيل المثال، قد تكون الصورة مأخوذة من تدريبات عسكرية سابقة، أو من نزاع آخر في منطقة مختلفة، أو حتى صورة تم التلاعب بها رقميًا.
تُعد هذه الممارسات جزءًا من حملات التضليل التي تستهدف الرأي العام وتُستخدم لتشويه الحقائق أو لتقديم سرد متحيز. في هذه الحالة، استُخدمت الصورة بشكل خاطئ أو عمدًا لإيهام المتلقين بأنها دليل بصري على هجوم حديث نفذه الجيش الصحراوي، في الوقت الذي وقع فيه حادث قصف حقيقي في السمارة، لكن دون أن تكون هذه الصورة هي الدليل المباشر عليه.
تداعيات ومخاطر المعلومات المضللة
تُسلط حادثة الصورة المتداولة الضوء على خطورة المعلومات المضللة والتضليل الإعلامي، خاصة في مناطق النزاع الحساسة مثل الصحراء الغربية. إن نشر صور أو معلومات غير صحيحة يمكن أن يؤدي إلى:
- تصعيد التوترات: يمكن أن تُغذي الأخبار الكاذبة الكراهية وتزيد من حدة الصراع بين الأطراف المتنازعة.
 - تضليل الرأي العام: يُصبح من الصعب على الجمهور التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، مما يؤثر على فهمهم للأحداث.
 - الإضرار بجهود السلام: قد تقوض المعلومات المضللة جهود الأمم المتحدة والوساطات الدولية الرامية إلى إيجاد حل سلمي للنزاع.
 - التأثير على الأمن: قد تدفع مثل هذه الأخبار إلى ردود فعل غير مدروسة من شأنها تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة.
 
في الختام، بينما شهدت مدينة السمارة بالفعل حادث قصف في أواخر أكتوبر 2023 عقب قرار مجلس الأمن، فإن الصورة التي انتشرت بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي زاعمة أنها توثق هذا الهجوم، قد ثبت أنها مضللة وغير مرتبطة بالحدث، مما يؤكد على ضرورة التحقق الدقيق من المصادر في عصر تدفق المعلومات السريع.





