بابنوسة تتحول إلى 'مدينة أشباح' بعد سيطرة الدعم السريع وعرضها خروجاً آمناً للجيش
في تطورات متسارعة شهدتها ولاية غرب كردفان السودانية، أحكمت قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على مدينة بابنوسة الاستراتيجية في الأيام الأخيرة، مما أدى إلى تحول المدينة إلى ما يوصف بـ 'مدينة أشباح' جراء النزوح الجماعي وتدهور الأوضاع الإنسانية. وعقب سيطرتها، قدمت قوات الدعم السريع عرضاً بالخروج الآمن لقوات الجيش السوداني المحاصرة داخل مقر الفرقة 22 مشاة في المدينة.

التطورات الأخيرة والسيطرة على بابنوسة
تأتي هذه التطورات في سياق حملة عسكرية مكثفة شنتها قوات الدعم السريع على مدينة بابنوسة، التي تعد مركزاً عسكرياً واقتصادياً مهماً في المنطقة. ووفقاً لتقارير حديثة، تمكنت قوات الدعم السريع من بسط سيطرتها على كافة أنحاء المدينة، بما في ذلك المرافق الحكومية والمواقع العسكرية الرئيسية. وقد أعلنت هذه القوات عن توفير ممر آمن للجنود السودانيين المتمركزين في قيادة الفرقة 22 بالمدينة، لمنحهم فرصة الانسحاب دون مواجهة.
تسببت الاشتباكات العنيفة والقصف المستمر في فرار الآلاف من سكان بابنوسة، تاركين منازلهم وممتلكاتهم بحثاً عن الأمان في المناطق المجاورة أو الولايات الأخرى، مما أفرغ المدينة من قاطنيها وحولها بالفعل إلى ما يشبه 'مدينة أشباح'. وتفاقمت الأوضاع المعيشية بشكل حاد، حيث تعطلت معظم الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والاتصالات، وانهار النظام الصحي، مما يضع ضغوطاً هائلة على النازحين والقلة المتبقية من السكان.
السياق الأوسع للصراع السوداني
تمثل السيطرة على بابنوسة حلقة جديدة في سلسلة الصراع الدائر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023. هذا الصراع، الذي اندلع في العاصمة الخرطوم، امتد ليشمل معظم أنحاء البلاد، مخلفاً دماراً واسعاً وأزمة إنسانية غير مسبوقة. وقد سعت كلتا القوتين إلى السيطرة على المناطق الاستراتيجية التي توفر ممراً للموارد أو طرق الإمداد، وتعد ولاية غرب كردفان من أهم هذه المناطق نظراً لموقعها الجغرافي الذي يربط بين ولايات دارفور ووسط السودان، وكذلك لاحتوائها على بعض الموارد الطبيعية.
لطالما كانت بابنوسة نقطة محورية في هذا الصراع، حيث شهدت اشتباكات متقطعة على مدى الأشهر الماضية. تعتبر الفرقة 22 مشاة التابعة للجيش السوداني في المدينة معقلاً رمزياً وعسكرياً مهماً، وسقوطها يمثل ضربة كبيرة للجيش في سعيه للحفاظ على سيطرته على غرب البلاد.
الأبعاد الإنسانية والاستراتيجية لسيطرة الدعم السريع
إن تحول بابنوسة إلى 'مدينة أشباح' يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يتسبب بها الصراع. فالمدنيون هم الضحية الأكبر، حيث يجدون أنفسهم محاصرين بين فكي القتال، ويُجبرون على ترك كل ما يملكون بحثاً عن حياة آمنة. إن غياب الخدمات الأساسية يعني أن أي شخص بقي في المدينة يواجه ظروفاً معيشية قاسية للغاية، مع خطر المجاعة والأمراض المتزايد.
من الناحية الاستراتيجية، تعزز سيطرة الدعم السريع على بابنوسة من نفوذها في غرب السودان، وتفتح طرقاً محتملة للإمداد والتحرك نحو مناطق أخرى. كما أن الاستيلاء على مقر قيادة عسكرية كبيرة يعتبر نصراً معنوياً ومادياً لقوات الدعم السريع، قد يؤثر على مسار العمليات العسكرية في المنطقة وعلى المفاوضات المحتملة لإنهاء الصراع.
تثير الدعوة إلى 'الخروج الآمن' من جانب قوات الدعم السريع تساؤلات حول نواياها وطبيعة هذا العرض، وما إذا كان يهدف إلى تقليل الخسائر البشرية أو هو تكتيك عسكري لإحكام السيطرة الكاملة على المقر دون مقاومة طويلة. وفي غياب معلومات مؤكدة حول استجابة الجيش لهذا العرض، يبقى مصير الجنود المحاصرين والمستقبل القريب لبابنوسة غير واضح.
في الختام، تعكس الأحداث الأخيرة في بابنوسة التعقيدات المتزايدة للصراع السوداني وتداعياته المدمرة على المدنيين، وتؤكد الحاجة الملحة لوقف الأعمال العدائية والبحث عن حل سلمي ينهي هذه الأزمة الإنسانية والعسكرية المتفاقمة.




