تأثير الفساد في أوكرانيا على موقف زيلينسكي التفاوضي مع بوتين وترامب
شكل الفساد المستشري في أوكرانيا تحديًا هائلاً للرئيس فولوديمير زيلينسكي منذ توليه السلطة، ولم يقتصر تأثيره على الشؤون الداخلية فحسب، بل امتد ليلقي بظلاله على علاقاته ومفاوضاته مع قادة دوليين بارزين، أبرزهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وقد وضعت هذه القضية زيلينسكي في مواقف دبلوماسية معقدة، حيث استُغلت أحيانًا كورقة ضغط وأحيانًا أخرى كذريعة دعائية.

خلفية القضية: وعود انتخابية وتحديات واقعية
وصل فولوديمير زيلينسكي إلى الرئاسة في عام 2019 على خلفية برنامج انتخابي ركز بشكل أساسي على مكافحة الفساد النظامي الذي عانت منه البلاد لعقود. ومع ذلك، سرعان ما اصطدمت وعوده بواقع معقد، حيث أن شبكات الفساد المتجذرة في مؤسسات الدولة والقضاء والقطاعات الاقتصادية شكلت عقبة كبرى أمام الإصلاحات الجذرية. هذا الوضع الداخلي أثر بشكل مباشر على قدرته على بناء الثقة مع الشركاء الدوليين وإدارة علاقاته الخارجية.
التفاعل مع إدارة ترامب: أزمة المكالمة الهاتفية
برز تأثير الفساد بشكل واضح في علاقة زيلينسكي مع إدارة دونالد ترامب. ففي منتصف عام 2019، وجد الرئيس الأوكراني نفسه في قلب عاصفة سياسية أمريكية بعد مكالمة هاتفية شهيرة مع ترامب. خلال المكالمة، طُلب من زيلينسكي فتح تحقيق في أنشطة هانتر بايدن، نجل منافس ترامب السياسي آنذاك جو بايدن، وعلاقته بشركة الطاقة الأوكرانية "بوريسما".
هذا الطلب وضع زيلينسكي في موقف حرج للغاية:
- الرضوخ للطلب كان سيعني التدخل في السياسة الداخلية الأمريكية وتوريط أوكرانيا في صراع حزبي قد يضر بالدعم الأمريكي طويل الأمد.
- رفض الطلب كان قد يعرض المساعدات العسكرية الأمريكية الحيوية للخطر، والتي كانت معلقة في ذلك الوقت.
هذه الحادثة، التي أدت إلى أول مساءلة لعزل ترامب، كشفت كيف يمكن استغلال سمعة أوكرانيا كدولة تعاني من الفساد للضغط عليها سياسيًا، مما أضعف موقف زيلينسكي وجعل بلاده تبدو كأداة في الصراعات الجيوسياسية.
المواجهة مع بوتين: الفساد كأداة دعائية
على الجبهة الشرقية، استغل الكرملين قضية الفساد في أوكرانيا كعنصر أساسي في حربه الدعائية. لطالما صورت آلة الإعلام الروسية أوكرانيا على أنها "دولة فاشلة" و"فاسدة" لتبرير سياساتها العدائية، بما في ذلك ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 والغزو الشامل في فبراير 2022. استخدم الرئيس فلاديمير بوتين هذه السردية للتشكيك في شرعية الحكومة الأوكرانية وتقويض الدعم الدولي لها.
داخليًا، أثر الفساد بشكل ملموس على القدرات الدفاعية لأوكرانيا. ففي الفترة التي سبقت الغزو وبعده، ظهرت عدة فضائح فساد مرتبطة بوزارة الدفاع، شملت عقود شراء معدات ومؤن بأسعار مبالغ فيها. ورغم أن الحكومة اتخذت إجراءات صارمة، مثل إقالة وزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف في سبتمبر 2023، إلا أن هذه القضايا أثارت قلق الحلفاء الغربيين بشأن كيفية استخدام المساعدات المالية والعسكرية المقدمة.
جهود الإصلاح والتأثير على المستقبل
إدراكًا منه لخطورة الموقف، كثف زيلينسكي وحكومته جهود مكافحة الفساد، خاصة بعد بدء الغزو الشامل، حيث أصبح الأمر مسألة أمن قومي. تم تعزيز صلاحيات هيئات مكافحة الفساد مثل مكتب مكافحة الفساد الوطني (NABU)، كما اتُخذت إجراءات لإقالة ومحاكمة مسؤولين متورطين. تأتي هذه الجهود استجابة لضغوط داخلية وخارجية، حيث يربط حلفاء أوكرانيا، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، استمرار الدعم المالي والعسكري وتطلعات أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بتحقيق تقدم ملموس في هذا الملف. في النهاية، تظل قدرة زيلينسكي على التفاوض بفعالية مع القوى العالمية مرتبطة بشكل وثيق بنجاحه في معركته ضد الفساد في الداخل.





