زيلينسكي ينكر ممارسة ضغوط دولية على أوكرانيا بشأن مفاوضات السلام
نفى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في تصريحات حديثة، تعرض بلاده لأي ضغوط دولية من أجل الانخراط في مفاوضات سلام مع روسيا. ويأتي هذا النفي في سياق تصاعد الدعوات الدولية لإنهاء الصراع الدائر، وتأكيد كييف على أن أي حل سلمي يجب أن يرتكز على شروطها ومبادئها الخاصة، دون التأثر بأي إملاءات خارجية.

خلفية الموقف الأوكراني من مفاوضات السلام
منذ بداية الغزو الروسي واسع النطاق في فبراير 2022، مرت مواقف أوكرانيا تجاه مفاوضات السلام بعدة مراحل. ففي الأشهر الأولى للحرب، كانت هناك جولات من المحادثات المباشرة بين الوفود الأوكرانية والروسية، أبرزها تلك التي جرت في إسطنبول. إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل، مع اتهامات متبادلة بعدم جدية الطرف الآخر وارتكاب روسيا لجرائم حرب في الأراضي المحتلة.
بعد فشل تلك المحادثات، وتصاعد الأعمال العدائية، أصبحت كييف أكثر تشدداً في شروطها. وقد أعلن الرئيس زيلينسكي عن "خطة السلام الأوكرانية" المكونة من عشر نقاط، والتي تشمل مطالب أساسية مثل استعادة وحدة الأراضي الأوكرانية بالكامل ضمن حدود عام 1991، انسحاب القوات الروسية، ضمانات أمنية لأوكرانيا، ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب، بالإضافة إلى دفع تعويضات. وتشدد أوكرانيا على أن هذه النقاط ليست قابلة للتفاوض، وأن أي محادثات جادة يجب أن تستند إليها.
السياق الدولي والمبادرات الدبلوماسية
في ظل استمرار الصراع، شهدت الساحة الدولية مبادرات متعددة من دول ومنظمات مختلفة للدفع نحو حل سلمي. فبينما يركز حلفاء أوكرانيا الغربيون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، على تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لتعزيز موقف كييف في ساحة المعركة، فإن دولاً أخرى مثل الصين والبرازيل وتركيا والفاتيكان قد قدمت مقترحات أو عرضت وساطتها لإيجاد مخرج للأزمة. بعض هذه المبادرات تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وهو ما ترفضه كييف عادة لأنه قد يُنظر إليه على أنه تجميد للصراع وتثبيت للوضع الراهن لصالح روسيا.
تجد أوكرانيا نفسها في موقف معقد، حيث تحتاج إلى دعم حلفائها لصد العدوان، بينما يتعين عليها أيضاً إدارة التوقعات الدولية والضغط المحتمل الذي قد ينشأ من الرغبة العالمية في إنهاء الحرب.
دوافع نفي الضغوط وأهميته
يعد نفي الرئيس زيلينسكي لوجود ضغوط دولية خطوة مهمة لعدة أسباب. أولاً، يعزز هذا النفي رواية أوكرانيا بأنها صاحبة القرار السيادي في مستقبلها، وأن شروط السلام ستحددها كييف نفسها بناءً على مصالحها الوطنية وليس نتيجة لإملاءات من الخارج. ثانياً، يساعد في الحفاظ على الروح المعنوية داخل البلاد، حيث يؤكد أن التضحيات التي يقدمها الشعب الأوكراني لن تذهب سدى بسبب تسوية مفروضة.
ثالثاً، يرسل رسالة واضحة إلى روسيا مفادها أن أوكرانيا لن تجبر على التنازل عن أراضيها أو حقوقها، وأن أي حديث عن سلام لا يعكس هذه الحقيقة هو أمر غير واقعي. رابعاً، يسعى هذا النفي إلى تبديد أي انطباع بأن الحلفاء الغربيين بدأوا يتعبون من الصراع ويسعون لدفع أوكرانيا نحو تسوية غير مواتية، وهو ما يمكن أن تستغله موسكو لشق صفوف التحالف الداعم لكييف. ويُفهم هذا النفي على أنه تمييز دقيق بين "الضغط" و"المشاورات" المستمرة مع الشركاء بشأن أفضل السبل للمضي قدماً.
موقف الشركاء الغربيين ودعمهم
على الرغم من الحديث عن ضغوط محتملة، فإن الشركاء الغربيين لأوكرانيا، بشكل عام، يؤكدون باستمرار على مبدأ "لا شيء عن أوكرانيا بدون أوكرانيا" (nothing about Ukraine without Ukraine). هذا المبدأ يعني أن أي قرارات تخص مستقبل أوكرانيا، بما في ذلك مفاوضات السلام، يجب أن تتخذها كييف بنفسها. وقد صرح كبار المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين في مناسبات متعددة بأنهم يدعمون موقف أوكرانيا في تحديد شروطها للسلام، وأن هدفهم هو تمكين أوكرانيا من الدفاع عن نفسها وتحقيق سلام عادل ودائم. ويشمل هذا الدعم توفير كميات هائلة من الأسلحة المتقدمة، والمساعدات المالية، وتطبيق عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا.
التداعيات المحتملة على مسار الصراع
إن إصرار أوكرانيا على استقلالية قرارها بشأن مفاوضات السلام، ونفيها لوجود أي ضغوط، يعكس الثقة في دعم حلفائها وفي قدرتها على الصمود. هذا الموقف قد يؤثر على مسار الصراع بطرق عدة. من ناحية، قد يؤدي إلى استمرار الحرب لفترة أطول مع إصرار كل طرف على شروطه. من ناحية أخرى، يعزز موقف أوكرانيا التفاوضي في أي محادثات مستقبلية، حيث يظهر أنها لن ترضى بأقل مما تعتبره عادلاً. كما أنه يحافظ على وحدة الصف الداخلي ويمنع أي انشقاقات قد تنجم عن تصور وجود تنازلات قسرية. هذا التصريح الأخير لزيلينسكي يبرز التحديات المعقدة التي تواجهها أوكرانيا في السير على خط رفيع بين الحفاظ على دعم حلفائها والدفاع عن سيادتها ومصالحها الوطنية في خضم حرب مدمرة.




