تحديات المرحلة الثانية من صفقة غزة تضع ضغوطاً متزايدة على نتنياهو
يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وضعاً سياسياً معقداً مع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية للدفع نحو إبرام مرحلة ثانية من صفقة تبادل المحتجزين مع حركة حماس. وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار الحرب في قطاع غزة، حيث يجد نتنياهو نفسه محاطاً بمطالب متناقضة تهدد استقرار ائتلافه الحكومي ومستقبله السياسي، وتضع مسار الحرب أمام مفترق طرق حاسم.

خلفية المفاوضات والهدنة السابقة
تعود جذور الأزمة الحالية إلى ما بعد الهدنة الإنسانية المؤقتة التي تم التوصل إليها في نوفمبر 2023 بوساطة قطرية ومصرية. شهدت تلك الهدنة، التي استمرت لأسبوع، إطلاق سراح العشرات من المحتجزين الإسرائيليين، معظمهم من النساء والأطفال، مقابل الإفراج عن مئات من الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية. ورغم نجاحها الجزئي، انتهت الهدنة دون التوصل إلى اتفاق لتمديدها، واستؤنفت العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع بقوة أكبر.
منذ ذلك الحين، لم تتوقف الجهود الدبلوماسية خلف الكواليس للتوصل إلى اتفاق جديد. تركز المحادثات على "المرحلة الثانية" التي يُعتقد أنها تشمل إطلاق سراح الجنود والمجندات الإسرائيليين المحتجزين، بالإضافة إلى الرجال المدنيين المتبقين، وهو ما تطالب حماس مقابله بوقف دائم لإطلاق النار والإفراج عن أعداد كبيرة من الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم أصحاب الأحكام العالية.
ضغوط داخلية وخلافات في مجلس الحرب
تعد الجبهة الداخلية المصدر الأكبر للضغط على نتنياهو. يتزايد زخم الاحتجاجات التي تنظمها عائلات المحتجزين الإسرائيليين، والتي تطالب الحكومة بإعطاء الأولوية القصوى لإعادة ذويهم، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات كبيرة. وتتهم هذه العائلات نتنياهو بالمماطلة واستخدام قضية المحتجزين لخدمة أهدافه السياسية والبقاء في السلطة.
على الجانب الآخر من المشهد السياسي، يواجه نتنياهو معارضة شرسة من شركائه في الائتلاف الحكومي من اليمين المتطرف. وقد هدد وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية) وإيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي) مراراً بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها إذا وافق نتنياهو على صفقة يعتبرونها "مذلة" أو تتضمن وقفاً شاملاً للحرب. ويصر هؤلاء على أن الضغط العسكري المستمر هو السبيل الوحيد لإجبار حماس على إطلاق سراح المحتجزين وتحقيق أهداف الحرب المعلنة.
هذه الانقسامات تمتد أيضاً إلى داخل مجلس الحرب المصغر، حيث تشير تقارير إعلامية إلى وجود تباين في وجهات النظر بين نتنياهو وكل من الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت، اللذين يُعتقد أنهما أكثر مرونة واستعداداً لدراسة مقترحات الصفقة المطروحة.
الموقف الدولي وجهود الوساطة
على الصعيد الدولي، تتزايد الضغوط، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأبرز لإسرائيل. تدفع إدارة الرئيس جو بايدن باتجاه التوصل إلى هدنة إنسانية طويلة الأمد لتسهيل إدخال المساعدات إلى غزة وتجنب تفاقم الكارثة الإنسانية، وترى في صفقة تبادل المحتجزين مدخلاً لتحقيق ذلك. وقد شهدت الفترة الأخيرة اجتماعات مكثفة في عواصم أوروبية وعربية، بمشاركة رؤساء أجهزة استخبارات من الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل، إلى جانب مسؤولين قطريين، في محاولة لتقريب وجهات النظر والتوصل إلى إطار عمل لاتفاق جديد.
بينما تواصل إسرائيل رفضها القاطع لمطلب حماس بوقف دائم لإطلاق النار، باعتباره يعني بقاء الحركة في السلطة، تصر حماس على أن هذا الشرط أساسي لأي اتفاق مستقبلي، مما يجعل المفاوضات شديدة التعقيد وبطيئة التقدم.
تداعيات محتملة على مستقبل الصراع
إن القرارات التي سيتخذها نتنياهو في الأيام والأسابيع المقبلة ستكون لها تداعيات بعيدة المدى. فالقبول بصفقة بشروط تعتبرها أطراف في حكومته متساهلة قد يؤدي إلى انهيار ائتلافه وإجراء انتخابات مبكرة في وقت حرج. وفي المقابل، فإن رفض أي فرصة حقيقية لإعادة المحتجزين قد يفقده ما تبقى من دعم شعبي ويزيد من عزلته السياسية.
في جوهر الأمر، يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه عالقاً بين هدفين متضاربين: تحقيق نصر عسكري كامل على حماس، وهو هدف يصر عليه اليمين المتطرف، وبين ضرورة إعادة المحتجزين، وهي أولوية قصوى لدى قطاع واسع من المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الدولي. ويشكل هذا المأزق الاختبار الأصعب لمسيرته السياسية ومستقبل الحرب في غزة.





