تحقيق يكشف حقيقة صور "المقابر الجماعية" في الفاشر: ليست لبشر بل لـ"قطعان ماشية"
في خضم التطورات المتسارعة والوضع الإنساني المتدهور في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور بالسودان، كشفت تحقيقات ميدانية وصحفية حقيقة الصور والتقارير التي أثارت قلقاً دولياً واسعاً خلال الأسابيع الأخيرة بشأن وجود "مقابر جماعية". فقد تبين أن المواقع التي ظهرت في صور الأقمار الصناعية كخنادق كبيرة للدفن لم تكن مخصصة لضحايا بشريين، بل استُخدمت لدفن آلاف من رؤوس الماشية والجمال التي نفقت بسبب الحصار والقتال الدائر في المدينة.

خلفية المزاعم: صور الأقمار الصناعية والتحذيرات الدولية
اندلعت شرارة القلق في أواخر شهر مايو وبداية يونيو 2024، مع تداول تقارير تستند إلى تحليل صور أقمار صناعية عالية الدقة، أبرزها تلك التي نشرها مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل الأمريكية. أظهرت الصور ما بدا أنها حفر كبيرة وطويلة تم ردمها حديثاً في مناطق مفتوحة بضواحي الفاشر، مما أثار مخاوف من وقوع مذابح وتصفية للمدنيين على يد الأطراف المتقاتلة، وتحديداً قوات الدعم السريع والجيش السوداني وحلفائهما. وقد تزامن ذلك مع تصاعد حدة المعارك وفرض حصار خانق على المدينة، مما أدى إلى قطع إمدادات الغذاء والماء والدواء، وزاد من مصداقية فرضية وقوع جرائم حرب واسعة النطاق.
التحقيق على الأرض يكشف الحقيقة
على عكس التحليلات الأولية التي اعتمدت على الصور الفضائية فقط، تمكنت فرق تقصي الحقائق وعدد من الصحفيين من التواصل مع مصادر محلية وشهود عيان داخل الفاشر، والذين قدموا رواية مختلفة تماماً. أكدت الشهادات المتطابقة أن هذه الحفر الكبيرة هي في الواقع مقابر جماعية، ولكن للحيوانات وليس للبشر. وأوضح السكان أن الحصار المفروض على المدينة منذ أسابيع أدى إلى كارثة بيئية واقتصادية، حيث نفقت أعداد هائلة من الماشية، وخاصة الإبل، بسبب الجوع والعطش الشديدين، بالإضافة إلى مقتل أعداد أخرى نتيجة القصف العشوائي المتبادل بين الطرفين.
- سبب النفوق: انقطاع تام لمصادر المياه والأعلاف بسبب الحصار.
- سبب الدفن الجماعي: لتجنب انتشار الأوبئة والأمراض نتيجة تحلل الجثث في الشوارع والأحياء.
- المنفذون: قام المواطنون المحليون ومتطوعون بحفر الخنادق لدفن الحيوانات النافقة كإجراء صحي طارئ.
وأشار شهود عيان إلى أن رائحة الجثث المتحللة كانت لا تطاق، مما دفعهم إلى اتخاذ هذا الإجراء لحماية ما تبقى من السكان من مخاطر صحية وبيئية وشيكة. هذه الرواية قدمت تفسيراً منطقياً لحجم الحفر وطبيعتها، والتي تتناسب مع دفن أعداد كبيرة من الحيوانات ضخمة الحجم كالإبل.
أهمية السياق وتحديات التحقق في مناطق النزاع
تُسلط هذه الحادثة الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه التحقق من المعلومات في مناطق النزاعات المغلقة مثل الفاشر. ففي حين أن تكنولوجيا الأقمار الصناعية تعد أداة حيوية لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أنها قد تقدم صورة منقوصة أو قابلة للتأويل الخاطئ إذا لم يتم تدعيمها بمعلومات من الأرض. وأظهرت القصة كيف يمكن أن يؤدي غياب التحقق الميداني إلى استنتاجات متسرعة تزيد من حالة الهلع وتخدم أغراض الدعاية الحربية لأي من الطرفين.
ومع ذلك، فإن توضيح حقيقة هذه الصور لا يقلل من حجم المأساة الإنسانية في الفاشر. فالمدينة لا تزال تحت حصار وقصف مستمر، وقد وثقت منظمات حقوقية مقتل وإصابة مئات المدنيين، ونزوح عشرات الآلاف. كما أن نفوق الثروة الحيوانية بهذا الحجم يمثل ضربة اقتصادية قاصمة لمجتمع يعتمد عليها بشكل أساسي في معيشته، مما يفاقم من الأزمة الإنسانية ويُنذر بمجاعة وشيكة. القضية تحولت من مزاعم بجرائم حرب ضد البشر إلى كارثة إنسانية واقتصادية مؤكدة تؤثر على بقاء السكان على المدى الطويل.





