تحقيقات حول "عملية نقل الأتربة": كيف أخفى نظام الأسد آلاف الجثث من مقبرة جماعية
تزايدت في الآونة الأخيرة التقارير والشهادات التي تشير إلى عمليات سرية ومنظمة في سوريا، تُعرف إحداها بـ"عملية نقل الأتربة"، ويُتهم فيها نظام الأسد بنقل آلاف الجثث من مقابر جماعية إلى مواقع نائية في الصحراء. ويهدف هذا الإجراء، بحسب منظمات حقوقية وشهود عيان، إلى إخفاء معالم هذه المقابر وطمس الأدلة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت خلال النزاع.
خلفية الاتهامات وتفاصيل مزعومة للعملية
تعود هذه المزاعم إلى تقارير استقصائية وشهادات لضباط منشقين وعاملين سابقين في مناطق النزاع، والتي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة. تشير هذه التقارير إلى أن عمليات النقل قد تمت على نطاق واسع وعلى مدار فترات طويلة، حيث كانت الشاحنات تقوم بنقل عشرات الآلاف من الجثث، أحيانًا لعدة ليالٍ في الأسبوع، من مواقع دفن جماعي معروفة أو سجون إلى أماكن سرية وغير مراقبة. كان وجود رائحة الموت الكريهة التي لا تخطئها الأنوف على طول الطرق الصحراوية في بعض الأحيان مؤشرًا على طبيعة هذه الحمولات.
- الهدف الرئيسي: يتمثل الهدف الأساسي من هذه التحركات في إزالة أدلة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المحتملة، وذلك لمنع تحديد هوية الضحايا وإعاقة جهود التحقيق الدولية وضمان الإفلات من العقاب.
- المواقع المتأثرة: تشمل المقابر الجماعية التي يُزعم نقل الجثث منها مناطق مختلفة شهدت قصفًا عنيفًا واعتقالات جماعية واحتجازات واسعة النطاق، بينما تستهدف المواقع الصحراوية السرية مناطق نائية يصعب الوصول إليها ومراقبتها من قبل الجهات المستقلة.
- الأدلة: تستند هذه المزاعم إلى مجموعة من الأدلة غير المباشرة وشهادات داخلية وصور فضائية في بعض الحالات، رغم صعوبة الحصول على تأكيد مباشر بسبب سرية هذه العمليات.
السياق الإنساني والقانوني للانتهاكات
تأتي هذه الاتهامات في سياق النزاع السوري المستمر منذ عام 2011، والذي تسبب في مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين. لقد وثقت منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية آلاف الحالات من القتل خارج نطاق القانون، والتعذيب الممنهج حتى الموت في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام، والاختفاء القسري. تشكل المقابر الجماعية أدلة مادية بالغة الأهمية على هذه الجرائم، وتعتبر محاولات إخفائها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي.
تعتبر إخفاء الجثث وإتلاف الأدلة جريمة بموجب القانون الدولي، لأنها تحرم عائلات الضحايا من حقهم في معرفة مصير أحبائهم وفي دفنهم بكرامة. كما أنها تعيق بشكل كبير مسار العدالة وتدابير المساءلة التي تسعى إليها منظمات المجتمع المدني والأسر المتضررة.
التداعيات والجهود الدولية
تثير هذه التقارير قلقًا عميقًا بشأن مصير عشرات الآلاف من المفقودين في سوريا. فمع كل مقبرة جماعية يتم إخفاء معالمها، تتضاءل آمال العائلات في العثور على رفات ذويها والحصول على إجابات شافية حول مصيرهم. هذا يترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا عميقًا على المجتمع السوري الذي يعاني بالفعل من سنوات الحرب.
وتواصل منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحققون المستقلون جهودهم لتوثيق هذه الانتهاكات وجمع الأدلة، على الرغم من التحديات الهائلة وصعوبة الوصول إلى المعلومات. تسعى هذه الجهود إلى:
- ضمان المساءلة: الضغط على المجتمع الدولي لضمان مساءلة مرتكبي هذه الجرائم، بما في ذلك من خلال المحاكم الدولية أو آليات العدالة المختلطة.
- دعم عائلات الضحايا: مساعدة عائلات المفقودين في جهود البحث والتوثيق، وتقديم الدعم النفسي والقانوني.
- حماية الأدلة: الدعوة إلى آليات دولية مستقلة لحماية مواقع المقابر الجماعية المتبقية وتسهيل التحقيقات الجنائية التي قد تؤدي إلى تحديد هوية الضحايا والكشف عن الجناة.
إن الكشف المستمر عن تفاصيل مثل "عملية نقل الأتربة" يؤكد على الحاجة الملحة لتعزيز الرقابة الدولية والجهود المستقلة لكشف الحقيقة وتقديم الجناة إلى العدالة، لضمان عدم إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وتحقيق العدالة للضحايا وعائلاتهم.




