رويترز: نظام الأسد نقل آلاف الجثث من مقبرة جماعية إلى البادية في عملية سرية
كشف تحقيق استقصائي موسع لوكالة رويترز، نشر في الآونة الأخيرة، تفاصيل صادمة حول عملية سرية ومنهجية نفذها نظام الرئيس السوري بشار الأسد. تهدف هذه العملية، التي استمرت لعامين، إلى إخفاء أدلة على جرائم قتل جماعي مروعة ارتكبتها أجهزة الأمن السورية خلال سنوات النزاع. ووفقاً للتقرير، تم نقل عشرات الآلاف من الجثث من مقبرة جماعية ضخمة تقع شمال العاصمة دمشق إلى موقع جديد ونائي في الصحراء الشرقية، على أطراف بادية الشام، في محاولة لطمس معالم الفظائع المرتكبة وإعاقة أي جهود مستقبلية للمحاسبة أو تحديد هوية الضحايا.

خلفية النزاع السوري والفظائع
منذ اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011، تحولت البلاد إلى ساحة لصراع وحشي شهد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قبل جميع الأطراف، لكن التقارير الدولية توثق باستمرار النطاق الواسع للاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون التي مارستها قوات الأمن التابعة للنظام. لطالما كانت السجون ومراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري مسرحاً لأسوأ الانتهاكات، حيث تشير تقديرات منظمات حقوق الإنسان إلى وفاة عشرات الآلاف تحت التعذيب أو نتيجة الظروف غير الإنسانية. أدت هذه الوفيات إلى الحاجة لدفن أعداد هائلة من الجثث، ما استلزم إنشاء مقابر جماعية بالقرب من مراكز الاحتجاز الرئيسية. كان الكشف عن هذه المقابر أمراً متوقعاً، لكن التحرك لإخفائها يمثل مرحلة جديدة من محاولات التستر على الجرائم.
تفاصيل العملية السرية لإخفاء الجثث
استند تحقيق رويترز إلى شهادات متعددة من موظفين سابقين في النظام، وعمال إغاثة، وناشطين، بالإضافة إلى تحليل صور الأقمار الصناعية وتقارير داخلية مسربة. تُظهر هذه الأدلة أن العملية بدأت حوالي عام 2017 واستمرت حتى عام 2019. تم استخدام شاحنات مبردة وسيارات إسعاف لنقل الجثث من المقبرة الجماعية الواقعة شمال دمشق، التي يُعتقد أنها كانت تضم رفات آلاف المعتقلين الذين قضوا في سجن صيدنايا ومراكز احتجاز أخرى سيئة السمعة. كانت هذه العملية تُنفذ في جنح الليل، لتجنب الكشف والتتبع، وبإشراف مباشر من أجهزة أمنية عليا.
كانت الوجهة النهائية للجثث هي مواقع نائية في عمق الصحراء السورية الشرقية، وهي مناطق شاسعة وصعبة الوصول، ما يجعل من الصعب جداً على أي محققين مستقلين الوصول إليها أو اكتشافها. الهدف الرئيسي من اختيار هذه المواقع هو ضمان أن تبقى الجرائم طي الكتمان، وأن تُفقد أي فرصة لتحديد هوية الضحايا من خلال البصمات الوراثية أو غيرها من وسائل الطب الشرعي، وبالتالي حرمان عائلات الضحايا من حق المعرفة وإغلاق ملفات أحبائهم.
دوافع نظام الأسد وأبعادها
الدوافع وراء هذه العملية السرية واضحة: إخفاء أدلة على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ممنهجة. يدرك النظام السوري جيداً أن المقابر الجماعية تمثل أدلة دامغة يمكن استخدامها في المستقبل لمقاضاة المسؤولين عن الفظائع. من خلال نقل الجثث وتفريقها في مناطق نائية، يسعى النظام إلى تدمير أو تشتيت هذه الأدلة، وبالتالي إعاقة أي تحقيقات دولية أو جهود للمحاسبة القضائية. هذه الخطوة تعكس نمطاً من الإنكار والتستر الذي مارسه النظام طوال فترة النزاع، وتؤكد عزمه على الإفلات من العقاب.
ردود الفعل الدولية وتداعياتها
قوبل تقرير رويترز بإدانة واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي. دعا العديد من النشطاء والمنظمات إلى فتح تحقيق دولي مستقل وفوري في هذه المزاعم، وضرورة العمل على ضمان المساءلة عن هذه الجرائم. يسلط هذا الكشف الضوء مرة أخرى على ضرورة وضع آلية دولية لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم في سوريا، ويوجه رسالة قوية بأن هذه المحاولات لطمس الحقيقة لن تنجح في إخفاء حجم الفظائع التي ارتكبت. كما أن هذه الأنباء تزيد من آلام عائلات عشرات الآلاف من المفقودين والمعتقلين، الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً، وتصعب من فرص حصولهم على العدالة أو حتى معرفة مكان دفن أحبائهم.
الخاتمة
يمثل نقل نظام الأسد لآلاف الجثث من مقبرة جماعية إلى البادية فصلاً جديداً ومقلقاً في سجل الانتهاكات بسوريا. إنه يظهر مدى تصميم النظام على إخفاء جرائمه وتجنب أي شكل من أشكال المساءلة. هذا الكشف يؤكد مجدداً على أهمية الجهود المستمرة لتوثيق الجرائم، وحماية الأدلة، ومطالبة المجتمع الدولي بالضغط من أجل تحقيق العدالة للضحايا وعائلاتهم، لضمان ألا تمر هذه الفظائع دون عقاب، وأن تُكشف الحقيقة مهما طال الزمن.



