عملية "نقل الأتربة" السرية: الكشف عن محاولة نظام الأسد إخفاء جثث عشرات آلاف المعتقلين في صحراء سوريا
كشف تحقيق استقصائي واسع أجرته وكالة رويترز في أغسطس 2023 عن تفاصيل عملية سرية وممنهجة نفذها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، عُرفت باسم "نقل الأتربة". هدفت هذه العملية، التي جرت بين عامي 2019 و2021، إلى إخفاء رفات عشرات الآلاف من المعتقلين الذين قضوا في سجون النظام، وذلك بنقلها من مقبرة جماعية قرب بلدة القطيفة إلى موقع سري ونائي في صحراء الضمير شرقي دمشق. وتُعد هذه الخطوة محاولة واضحة لطمس الأدلة على جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وحرمان أهالي الضحايا من معرفة مصير أبنائهم.

خلفية واسعة للاعتقالات والانتهاكات في سوريا
منذ اندلاع الاحتجاجات السلمية في سوريا عام 2011 وتحولها إلى صراع مسلح، اعتمد نظام الأسد سياسة الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والتعذيب الممنهج لمواجهة المعارضة. تشير تقديرات منظمات حقوق الإنسان الدولية إلى أن مئات الآلاف من السوريين قد مروا عبر سجون ومعتقلات النظام، وقد قضى عشرات الآلاف منهم تحت التعذيب أو نتيجة الظروف اللاإنسانية. تُعرف سجون مثل صيدنايا والمزة بسمعتها السيئة في التعذيب والموت الجماعي. تعيش آلاف العائلات السورية في حالة من عدم اليقين، تبحث عن أي معلومة تخص مصير ذويها الذين اختفوا قسريًا، وتواجه جدارًا من الصمت والإنكار من قبل السلطات.
لطالما وثقت منظمات مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ممارسات النظام المروعة داخل السجون، بما في ذلك التصفية الجسدية الممنهجة للمعتقلين. وقد كشفت تقارير متعددة عن وجود مقابر جماعية بالقرب من المنشآت الأمنية والعسكرية، حيث كانت تُدفن جثث الضحايا بشكل سري، في محاولة لإخفاء حجم الكارثة الإنسانية.
تفاصيل عملية "نقل الأتربة"
اعتمد تحقيق رويترز، الذي نُشر في أغسطس 2023، على شهادات حصرية من مسؤولين سابقين في النظام السوري منشقين، بالإضافة إلى مصادر عسكرية ومدنية مطلعة. هؤلاء الشهود أكدوا أن عملية "نقل الأتربة" (وهو الاسم الكودي الذي استخدمته الأجهزة الأمنية للإشارة إلى نقل الجثث) كانت تهدف تحديدًا إلى إزالة رفات المعتقلين من مقبرة جماعية تقع بالقرب من قاعدة القطيفة العسكرية، وهي منطقة يُعتقد أنها كانت تستخدم لدفن ضحايا سجن صيدنايا ومراكز احتجاز أخرى.
تمت العملية بين عامي 2019 و2021، وشملت استخدام آليات ثقيلة مثل الجرافات والشاحنات لنبش الرفات ونقلها. وقد تم التخلص من هذه الرفات في موقع أبعد وأكثر سرية وعزلة في صحراء الضمير، الواقعة شرق العاصمة دمشق. يهدف هذا النقل المزدوج إلى تدمير أي أدلة جنائية محتملة، بما في ذلك رفات الضحايا التي قد تحمل آثار التعذيب أو تساعد في تحديد الهوية، مما يجعل من المستحيل على الأسر العثور على أحبائها أو الحصول على إجابات حول وفاتهم.
الأهمية والتداعيات
تُشكل عملية "نقل الأتربة" انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان، وتندرج ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. إن إخفاء الجثث وتدمير الأدلة يمثل محاولة متعمدة للتغطية على الفظائع المرتكبة، ويُعيق أي مساعٍ مستقبلية لتحقيق العدالة والمساءلة. بالنسبة لعائلات الضحايا، تزيد هذه العملية من معاناتهم، حيث تحرمهم من الحق في معرفة مصير أحبائهم وتؤجل أي فرصة لدفنهم بكرامة أو إقامة شعائر الحداد.
تُعد هذه العملية أيضًا تحديًا كبيرًا لجهود توثيق الجرائم في سوريا ولعمليات البحث عن المفقودين. فبدون أدلة مادية أو معلومات دقيقة عن مواقع الدفن، يصبح تحديد هوية الضحايا وتوثيق سبب وفاتهم أكثر صعوبة، مما يؤثر سلبًا على أي محاكمات مستقبلية قد تسعى لمحاسبة المسؤولين.
المطالبات الدولية بالمساءلة
أثارت التقارير حول عملية "نقل الأتربة" إدانات دولية واسعة ودعوات متجددة للمساءلة. طالبت منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة بإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في هذه المزاعم، وتوفير سبل العدالة لضحايا الانتهاكات في سوريا. ومع ذلك، لا يزال النظام السوري يرفض التعاون مع أي تحقيقات دولية، مما يعقد الجهود الرامية إلى كشف الحقيقة وتقديم الجناة للعدالة.
على الرغم من التحديات، تواصل الآليات الدولية، مثل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للمسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة بموجب القانون الدولي المرتكبة في الجمهورية العربية السورية (IIIM)، جهودها لجمع الأدلة وتوثيق الجرائم تحسبًا لأي عملية عدالة مستقبلية. تُبرز عملية "نقل الأتربة" مدى حاجة هذه الجهود إلى الدعم المستمر وضرورة الضغط على النظام السوري لوقف هذه الممارسات والكشف عن مصير آلاف المفقودين.
في الختام، تُعتبر عملية "نقل الأتربة" تذكيرًا مؤلمًا بالثمن البشري الفادح للنزاع السوري وبالمحاولات المستمرة لإخفاء الفظائع المرتكبة. إنها تدعو المجتمع الدولي إلى تجديد التزامه بدعم العدالة والمساءلة لجميع ضحايا الصراع في سوريا، وضمان ألا تمر هذه الجرائم دون عقاب.



