ترامب يوظف قضية الفنتانيل لإعادة تعريف العلاقات الاقتصادية مع الصين
في 25 أكتوبر 2024، تشير تقارير من العاصمة الأمريكية واشنطن إلى تحول كبير في استراتيجية إدارة الرئيس دونالد ترامب تجاه الصين، لا سيما في مستهل ولايته الثانية المفترضة. يبدو أن الإدارة تعتزم إحياء وتصعيد التوترات التجارية والسياسية، ولكن هذه المرة بورقة ضغط جديدة وذات أبعاد إنسانية حساسة: قضية الفنتانيل. يمثل هذا التوجه محاولة جريئة لربط ملف الصحة العامة الأمريكية بمعادلة العلاقات الاقتصادية الدولية، مما يعيد تشكيل ملامح أحد أهم الصراعات الجيوسياسية في العالم.

خلفية الأزمة: تفاقم الفنتانيل في الولايات المتحدة
تُعد أزمة المواد الأفيونية، وعلى رأسها الفنتانيل، واحدة من أخطر التحديات الصحية التي تواجه الولايات المتحدة في العقد الأخير. الفنتانيل هو مخدر صناعي قوي، أقوى بخمسين مرة من الهيروين، ويُعتقد أنه المسؤول عن وفاة عشرات الآلاف من الأمريكيين سنويًا بسبب الجرعات الزائدة. أظهرت الإحصائيات الحكومية ارتفاعًا مقلقًا في الوفيات المرتبطة بالفنتانيل، مما دفع السلطات الأمريكية إلى إعلان الأزمة كأولوية وطنية.
لطالما وجهت واشنطن أصابع الاتهام إلى الصين باعتبارها المصدر الرئيسي أو المصنع للمواد الكيميائية الأولية المستخدمة في إنتاج الفنتانيل غير المشروع، والذي يتم تهريبه غالبًا عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. على الرغم من بعض الإجراءات التي اتخذتها الصين في السنوات الماضية للحد من صادرات هذه المواد، إلا أن الإدارة الأمريكية ترى أن هذه الجهود غير كافية، وأن بكين لم تفِ بالتزاماتها الدولية بشكل كامل للسيطرة على هذه التجارة المميتة.
توترات اقتصادية متأصلة بين واشنطن وبكين
تاريخيًا، شهدت العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين فترات من التوتر الشديد، بلغت ذروتها خلال الولاية الأولى لترامب بفرض تعريفات جمركية متبادلة على مئات المليارات من الدولارات من السلع. تركزت تلك الخلافات حول قضايا مثل الممارسات التجارية غير العادلة، وسرقة الملكية الفكرية، وعجز الميزان التجاري الكبير لصالح الصين. أدت هذه “الحرب التجارية” إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية وأثرت على العديد من الصناعات الأمريكية والصينية.
على الرغم من توقيع “المرحلة الأولى” من الاتفاق التجاري في عام 2020، والذي خفف بعض التوترات، إلا أن القضايا الأساسية لم يتم حلها بالكامل. استمرت الانتقادات الأمريكية للممارسات الاقتصادية الصينية، وظل ملف المنافسة التكنولوجية بين البلدين حجر الزاوية في التنافس الجيوسياسي، مما وضع الأساس لاستراتيجية ترامب الجديدة في استخدام ورقة الفنتانيل لزيادة الضغط.
استراتيجية ترامب: ربط الفنتانيل بالملف الاقتصادي
النهج الجديد الذي تتبناه إدارة ترامب يهدف إلى دمج قضية الفنتانيل بشكل مباشر في إطار المفاوضات الاقتصادية والتجارية مع الصين. تشير المصادر إلى أن الرئيس ترامب يعتقد أن ربط أزمة الصحة العامة هذه بالقضايا الاقتصادية الرئيسية سيمنح واشنطن نفوذًا أكبر لإجبار بكين على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة وفعالية ضد إنتاج وتهريب الفنتانيل ومكوناته.
- شروط التجارة: قد تربط الإدارة الأمريكية تخفيف التعريفات الجمركية أو التنازلات التجارية الأخرى بمدى تعاون الصين في مكافحة الفنتانيل.
- عقوبات محتملة: يمكن أن تلوح واشنطن بفرض عقوبات إضافية على الكيانات أو الأفراد الصينيين المتورطين في إنتاج أو تجارة الفنتانيل، وربط هذه العقوبات بشكل مباشر بسلسلة الإمداد العالمية.
- التعاون الأمني: قد تطالب الولايات المتحدة بتعاون أمني واستخباراتي أوسع مع الصين لتتبع شبكات التهريب الدولية.
هذا الربط يمثل تصعيدًا في تكتيكات التفاوض، حيث يحول قضية إنسانية إلى ورقة مساومة استراتيجية، مما يزيد من تعقيد العلاقات بين القوتين العظميين.
التداعيات المحتملة وردود الفعل
من المتوقع أن يثير هذا التوجه ردود فعل متباينة على الصعيدين الداخلي والدولي. داخل الولايات المتحدة، قد يحظى هذا الربط بدعم من شرائح واسعة من الرأي العام التي تعاني من آثار أزمة الفنتانيل، لكنه قد يواجه انتقادات من خبراء السياسة الخارجية الذين يرون فيه مخاطرة بإقحام قضية إنسانية في صراع جيوسياسي معقد.
أما من جانب الصين، فمن المرجح أن ترفض بكين ما قد تعتبره محاولة لربط قضيتين منفصلتين أو تسييس ملف الصحة العامة. قد ترى الصين أن هذه الخطوة بمثابة تدخل في شؤونها الداخلية أو محاولة لزيادة الضغط غير المبرر. هذا قد يؤدي إلى:
- مزيد من التوتر التجاري: قد ترد الصين بإجراءات مضادة أو بتجميد المفاوضات التجارية.
- تأثير على التعاون العالمي: قد يؤثر هذا النهج على مجالات أخرى للتعاون بين البلدين، مثل مكافحة تغير المناخ أو القضايا الأمنية الإقليمية.
- تغيير في الديناميكيات الدبلوماسية: من شأنه أن يعيد تعريف طبيعة الحوار الدبلوماسي بين البلدين، ويجعله أكثر صدامية.
خاتمة
إن استخدام قضية الفنتانيل كورقة مساومة في العلاقات الاقتصادية مع الصين يمثل استراتيجية جديدة محفوفة بالمخاطر من قبل إدارة ترامب. في حين أنها قد تهدف إلى إجبار الصين على اتخاذ إجراءات أكثر حزمًا بشأن أزمة صحية مدمرة في الولايات المتحدة، إلا أنها تحمل في طياتها تحديات كبيرة وقد تؤدي إلى تفاقم التوترات القائمة بالفعل بين أكبر اقتصادين في العالم، مما قد تكون له تداعيات بعيدة المدى على الاستقرار الاقتصادي والسياسي العالمي.





