تسلل موساد وهجمات سيبرانية.. من الهدف التالي لـ إسرائيل؟
تُعدّ العمليات الاستخباراتية السرية والهجمات السيبرانية من الأدوات الرئيسية في العقيدة الأمنية الإسرائيلية الاستباقية، والتي تهدف إلى تحييد التهديدات قبل وصولها إلى الحدود. وفي ظل تصاعد التوترات الإقليمية والسباق التكنولوجي، يتزايد التركيز على هذه الأبعاد من الصراع، مما يطرح تساؤلات حول الأهداف المحتملة القادمة لهذه العمليات.
الخلفية الاستراتيجية للصراع
تاريخياً، اعتمدت إسرائيل على تفوقها الاستخباراتي والتقني لمواجهة ما تعتبره تهديدات وجودية من دول معادية وكيانات غير حكومية. يتجلى هذا النهج في عمليات جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) التي تستهدف جمع المعلومات، وإفشال المؤامرات، والقيام بعمليات سرية خارج حدود إسرائيل. بالتوازي، طوّرت إسرائيل قدرات سيبرانية متقدمة، تُستخدم للدفاع عن بنيتها التحتية الحيوية ولشن هجمات تستهدف قدرات الخصوم العسكرية والتكنولوجية.
تُشكل إيران وحلفاؤها الإقليميون، مثل حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة، محور الاهتمام الأمني الإسرائيلي. وتنظر إسرائيل إلى برنامج إيران النووي وتطويرها للصواريخ الباليستية ونفوذها الإقليمي كتهديدات استراتيجية تتطلب استجابة متعددة الأوجه، بما في ذلك العمليات السرية والسيبرانية. هذا الإطار الاستراتيجي يفسر جزئياً وتيرة ونوعية العمليات المنسوبة لإسرائيل في السنوات الأخيرة.
التطورات الأخيرة في الساحة الاستخباراتية والسيبرانية
شهدت الأعوام القليلة الماضية تصاعداً ملحوظاً في حجم ونوعية العمليات التي تُنسب إلى إسرائيل، سواء عبر الموساد أو في الفضاء السيبراني، والتي غالباً ما تستهدف خصومها الرئيسيين:
- عمليات الموساد: تشير تقارير دولية ومصادر استخباراتية غربية إلى أن الموساد نفّذ عدة عمليات حساسة داخل إيران، استهدفت برامجها النووية والصاروخية. من الأمثلة البارزة على ذلك، هجمات التخريب المزعومة على منشآت نووية مثل نطنز وكراج، بالإضافة إلى اغتيالات يُزعم أنها استهدفت علماء نوويين أو قادة عسكريين إيرانيين بارزين. هذه العمليات، التي لا تؤكدها إسرائيل عادة بشكل رسمي، تهدف إلى إبطاء تقدم البرامج الإيرانية وتعطيل جهودها الإقليمية.
- الهجمات السيبرانية: أصبحت الحرب السيبرانية ساحة رئيسية للصراع، مع تبادل الهجمات بين إسرائيل وخصومها. تُنسب لإسرائيل هجمات سيبرانية معقدة استهدفت بنى تحتية إيرانية حيوية، مثل الموانئ وشبكات السكك الحديدية أو أنظمة التحكم الصناعي. في المقابل، تعرضت إسرائيل نفسها لهجمات سيبرانية من جماعات يُعتقد أنها مدعومة من إيران، استهدفت قطاعات مختلفة بما في ذلك القطاع الصحي والمالي والبنى التحتية للمياه. أصبحت هذه الهجمات جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية الردع المتبادل.
أهمية هذه المواجهة وتداعياتها
تُعد هذه العمليات السرية والسيبرانية ذات أهمية قصوى في استراتيجية إسرائيل الأمنية، لأنها تسمح لها بتأكيد نفوذها وردع خصومها دون اللجوء إلى مواجهة عسكرية مفتوحة واسعة النطاق، والتي قد تكون مكلفة سياسياً وعسكرياً. كما أنها تساهم في إضعاف قدرات الخصوم من خلال تعطيل برامجهم الاستراتيجية أو استهداف قياداتهم. ومع ذلك، فإن الطبيعة السرية لهذه العمليات تزيد من حالة عدم اليقين والتوتر في المنطقة، مما قد يؤدي إلى تصعيد غير مقصود في بعض الأحيان.
من الهدف التالي؟ تحليل للأهداف المحتملة
في ضوء التطورات الجيوسياسية الراهنة والنهج الاستباقي لإسرائيل، يمكن التكهن بأن الأهداف المحتملة القادمة لعمليات الموساد والهجمات السيبرانية ستظل تدور حول المحاور الاستراتيجية التالية:
- برنامج إيران النووي والصاروخي: من المرجح أن تظل جهود إسرائيل مركزة على إبطاء أو تعطيل تقدم إيران في هذين المجالين. يمكن أن تشمل الأهداف منشآت جديدة، سلاسل إمداد، أو علماء وخبراء رئيسيين.
- حزب الله وحماس: ستستمر إسرائيل في استهداف البنى التحتية العسكرية لهذه الجماعات، وشبكات نقل الأسلحة (خاصة الصواريخ الدقيقة)، وقدراتها المالية والاستخباراتية. كما قد تستهدف قيادات رئيسية تعتبر مسؤولة عن التخطيط لهجمات ضد إسرائيل.
- التواجد الإيراني في سوريا: تواصل إسرائيل استهداف الشحنات الإيرانية من الأسلحة المتقدمة والمتجهة إلى حلفائها، بالإضافة إلى تدمير المواقع العسكرية الإيرانية أو التابعة لحزب الله في سوريا لمنع ترسيخ نفوذ طهران على الحدود الشمالية لإسرائيل.
- الساحة السيبرانية: من المتوقع أن تشهد الحرب السيبرانية المزيد من التعقيد، مع سعي إسرائيل لحماية بنيتها التحتية الحيوية من الهجمات، وفي الوقت نفسه شن هجمات استباقية تستهدف الشبكات السيبرانية لخصومها لجمع المعلومات أو تعطيل العمليات. قد تتسع الأهداف لتشمل أنظمة المراقبة، وشبكات الطاقة، وأنظمة الاتصالات في دول معادية.
إن تحديد الهدف التالي ليس مجرد مسألة جغرافية، بل هو مزيج من الأهداف الاستراتيجية، والقدرات التشغيلية، وتقدير المخاطر. فكل تهديد جديد أو تطور في المنطقة يمكن أن يضع أهدافاً جديدة على قائمة الأولويات الإسرائيلية.
في الختام، تعكس العمليات السرية والسيبرانية المستمرة التزام إسرائيل بمنع التهديدات وتأكيد تفوقها الإقليمي. ورغم التكهنات حول «الهدف التالي»، فإن الاستراتيجية العامة تظل ثابتة: العمل خلف الكواليس وفي الفضاء الرقمي لضمان الأمن القومي في بيئة إقليمية معقدة ومتغيرة باستمرار.





