تضارب الأنباء حول السيطرة على بارا وتجدد القتال العنيف في الفاشر
يشهد السودان تطورات ميدانية متسارعة في ظل الصراع المستمر منذ أكثر من عام، حيث برزت مؤخراً أنباء متضاربة حول السيطرة على مدينة بارا الاستراتيجية بولاية شمال كردفان، بالتزامن مع تجدد الاشتباكات العنيفة في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، مما يفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.

التطورات في مدينة بارا
أعلنت مصادر تابعة لقوات الدعم السريع عن تمكنها من بسط سيطرتها الكاملة على مدينة بارا، وهي بلدة ذات أهمية لوجستية تقع على الطريق الرئيسي الذي يربط بين الأبيض، عاصمة شمال كردفان، والعاصمة الخرطوم. وتُعتبر السيطرة على هذه المدينة مكسباً ميدانياً مهماً لأي من طرفي النزاع، حيث تؤثر بشكل مباشر على خطوط الإمداد والتحركات العسكرية في المنطقة.
في المقابل، لم يصدر تعليق فوري من الجيش السوداني لتأكيد أو نفي هذه الأنباء، وهو ما خلق حالة من الغموض حول الوضع الفعلي في المدينة. وغالباً ما تتسم المعلومات الواردة من جبهات القتال في السودان بالتضارب نظراً لصعوبة التحقق من المصادر المستقلة وانقطاع الاتصالات في العديد من مناطق الاشتباكات، مما يتيح لكل طرف نشر روايته للانتصارات الميدانية.
تصاعد المواجهات في الفاشر
في تطور موازٍ ومثير للقلق، شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تصعيداً كبيراً في المواجهات العسكرية خلال الأيام القليلة الماضية. وتكتسب الفاشر أهمية خاصة لكونها آخر عاصمة في إقليم دارفور لم تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، كما أنها أصبحت مركزاً رئيسياً لإيواء مئات الآلاف من النازحين الفارين من مناطق أخرى في الإقليم.
تتركز الاشتباكات بين قوات الدعم السريع من جهة، والجيش السوداني مدعوماً بحركات مسلحة موقعة على اتفاق السلام من جهة أخرى. وشملت المواجهات قصفاً مدفعياً متبادلاً وهجمات على الأحياء السكنية والمرافق الحيوية، بما في ذلك المستشفيات ومخيمات النازحين، مما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين.
وقد حذرت منظمات دولية والأمم المتحدة مراراً من أن اندلاع معركة شاملة للسيطرة على الفاشر قد يؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق، نظراً للكثافة السكانية العالية في المدينة ووجود عدد كبير من المدنيين العالقين بين خطوط النار.
الخلفية والسياق العام للصراع
اندلعت هذه المواجهات في سياق الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل 2023 بين القوتين العسكريتين الرئيسيتين في البلاد: الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي".
بدأ الصراع نتيجة خلافات عميقة حول عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش وإصلاح القطاع الأمني، وسرعان ما تحول إلى حرب شاملة امتدت من العاصمة الخرطوم إلى مناطق واسعة في دارفور وكردفان وغيرها، مخلفةً آلاف القتلى وملايين النازحين والمشردين وأزمة جوع حادة تهدد الملايين.
الأهمية الاستراتيجية والآثار الإنسانية
تعكس المعارك في بارا والفاشر استراتيجية كل طرف للسيطرة على مفاصل جغرافية حيوية. فبينما تسعى قوات الدعم السريع لتأمين سيطرتها الكاملة على إقليم دارفور الشاسع عبر الاستيلاء على الفاشر، وتأمين طرق إمدادها عبر كردفان، يحاول الجيش السوداني الحفاظ على آخر معاقله في الغرب ومنع خصمه من تحقيق نصر استراتيجي حاسم.
تبقى التكلفة الإنسانية لهذه المعارك هي الأثر الأكبر، حيث يعيش المدنيون في حالة من الرعب المستمر وسط نقص حاد في الغذاء والماء والدواء، مع انهيار شبه كامل للنظام الصحي. وتزيد صعوبة وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من تفاقم المعاناة، مما يضع السودان على شفا واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.




