تفاعلات واسعة حول أول ظهور علني لخليل الحية بمصر في «حوار نهاري في العراء»
شهدت الأوساط الإقليمية والدولية تفاعلاً واسعاً مع الظهور العلني الأول للقيادي البارز في حركة حماس، خليل الحية، على الأراضي المصرية، وتحديداً في مدينة شرم الشيخ. جاء هذا الظهور، الذي أُطلق عليه وصف «حوار نهاري في العراء»، في سياق حساس للغاية من التطورات الإقليمية، وبعد أسابيع قليلة من تقارير تحدثت عن محاولة اغتيال إسرائيلية استهدفته وقيادات أخرى للحركة في قطر. هذا الحدث، الذي يُعدّ الأول من نوعه له في مصر منذ فترة طويلة بهذا الشكل العلني، أثار العديد من التساؤلات حول دلالاته وتوقيته، خاصة في ظل الدور المحوري الذي تلعبه القاهرة كوسيط رئيسي في الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية الراهنة.

خلفية الظهور وأهميته الاستراتيجية
يُعتبر ظهور خليل الحية العلني في مصر ذا أهمية قصوى لعدة أسباب استراتيجية. أولاً، هو أحد أبرز أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس، ويُعرف بدوره المحوري في العديد من جولات المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الإسرائيلي، خاصة فيما يتعلق بملفات التهدئة وتبادل الأسرى. ثانياً، جاء هذا الظهور بعد تقارير إعلامية واسعة النطاق في أواسط شهر أكتوبر الماضي، تحدثت عن استهداف إسرائيل لقيادات في حماس خارج قطاع غزة، بما في ذلك محاولة اغتيال مزعومة في الدوحة بقطر. إن ظهور الحية سالماً وفي مكان عام بدولة وسيطة رئيسية، بعد هذه التقارير، يُرسل رسالة واضحة حول قدرة الحركة على استمرارية العمل ومرونة قياداتها في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية.
السياق الإقليمي ودور مصر المحوري
تأتي زيارة الحية لمصر واللقاءات التي عقدها ضمن «حوار نهاري في العراء» في وقت تزداد فيه حدة الصراع في قطاع غزة، وتتواصل فيه الجهود الدولية والإقليمية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة. لطالما كانت مصر طرفاً فاعلاً وأساسياً في الوساطة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل. فالعلاقات المصرية مع حماس، رغم تعقيداتها وتقلباتها، تظل قناة اتصال حيوية ومهمة لاستقرار المنطقة. تستضيف القاهرة بانتظام محادثات تهدف إلى تهدئة التوترات وتثبيت الهدنات، وكذلك لإدارة ملف معبر رفح، وهو الشريان الحيوي الوحيد لغزة الذي لا تتحكم فيه إسرائيل بشكل مباشر، مما يضع مصر في موقع استراتيجي لا غنى عنه.
تُعزز استضافة مصر لـخليل الحية في هذا التوقيت من دورها كوسيط لا غنى عنه في الأزمة، وتُظهر استعدادها لإبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع جميع الأطراف المعنية، حتى في ظل الضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة. وقد يُشير هذا الظهور أيضاً إلى أن مصر قد تُصبح مركزاً متزايد الأهمية لأي مفاوضات مستقبلية تتعلق بقطاع غزة، أو حتى بمستقبل القضية الفلسطينية ككل، خاصة إذا تغيرت ديناميكيات الوساطة في مناطق أخرى.
التفاعلات والدلالات المتعددة
التعامل المصري البارز مع هذا الظهور، سواء على المستوى الرسمي أو الإعلامي، لفت الانتباه. فقد عكس التفاعل المصري اهتماماً كبيراً بالرسائل التي تحملها هذه الزيارة. من جانب حماس، يُمكن اعتبار ظهور الحية في مصر بمثابة استعراض لمرونة الحركة وقدرتها على التكيف، وتأكيد على استمرار قياداتها في العمل السياسي والدبلوماسي، على الرغم من محاولات إضعافها أو القضاء عليها.
- تأكيد على الحضور: يبرهن الظهور على أن قيادات حماس ما زالت نشطة وقادرة على التنقل والاجتماع، مما يقوض الروايات التي تسعى إلى تصوير الحركة على أنها محاصرة أو ضعيفة وغير قادرة على الحركة.
 - تعزيز الوساطة المصرية: تمنح هذه الزيارة مصر ثقلاً إضافياً في جهودها الدبلوماسية الرامية لحل الأزمة، حيث تُثبت قدرتها على استضافة أطراف الصراع والتحدث معها بشكل مباشر وفعال.
 - رسالة للمجتمع الدولي: قد يُرسل الظهور رسالة إلى المجتمع الدولي بأن التعامل مع حماس كطرف سياسي، على الأقل في سياق المفاوضات وإدارة الصراع، أمر لا مفر منه، وأن مصر تلعب دوراً حيوياً في تسهيل هذا التواصل المباشر.
 
يُنظر إلى هذا الظهور أيضاً من زوايا دولية وإسرائيلية مختلفة. فبالنسبة لإسرائيل، قد يُثير ظهور الحية العلني في مصر مخاوف بشأن استمرار نفوذ حماس وعمق شبكتها الدبلوماسية، وقد يُنظر إليه كإشارة إلى أن محاولات عزل الحركة أو القضاء على قياداتها السياسية لم تُحقق أهدافها بالكامل. أما على الصعيد الدولي، فقد يجد بعض الفاعلين في هذا الظهور فرصة لإعادة تقييم استراتيجيات التعامل مع الصراع، خاصة وأن مصر تظل بوابة دبلوماسية رئيسية يمكن من خلالها التواصل مع جميع الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية.
يبقى أن نرى كيف ستتطور تداعيات هذا الظهور على مسار الأزمة الحالية، وما إذا كان سيُمهد لمزيد من اللقاءات أو يدفع بعملية المفاوضات قدماً نحو حلول أكثر استدامة. ومع ذلك، فإن «حوار نهاري في العراء» في شرم الشيخ يُعد محطة بارزة في المشهد السياسي والإقليمي المتوتر، ويعكس ديناميكيات معقدة للسياسة الإقليمية والدولية.




