تقرير هآرتس يكشف نقل الجيش مخلفات بناء إلى قطاع غزة
كشف تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية مؤخراً عن قيام الجيش الإسرائيلي بنقل كميات كبيرة من النفايات، وخاصة مخلفات البناء، من مناطق غلاف غزة إلى داخل القطاع الفلسطيني المحاصر. يستند التقرير، الذي يلقي الضوء على ممارسات بيئية مثيرة للجدل، إلى وثائق وشهادات تم الحصول عليها، مما يثير تساؤلات جدية حول التداعيات البيئية والإنسانية لهذه الأفعال.

الخلفية والسياق
تعتبر منطقة غلاف غزة، الواقعة على الحدود مع القطاع، منطقة حساسة شهدت دماراً واسع النطاق وأعمال إزالة ركام وإعادة إعمار في أعقاب الأحداث الأمنية الأخيرة، لا سيما بعد هجمات السابع من أكتوبر 2023. وقد خلفت هذه الأحداث كميات هائلة من الحطام ومخلفات البناء الناتجة عن تدمير وإصلاح المنشآت في المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع.
في المقابل، يعاني قطاع غزة، الذي يرزح تحت حصار مشدد منذ سنوات، من أزمة بيئية خانقة تفاقمت بشكل كبير جراء العمليات العسكرية المستمرة. تواجه البلديات في القطاع صعوبات جمة في إدارة النفايات الصلبة، حيث تفتقر إلى البنية التحتية والموارد اللازمة لمعالجتها بشكل سليم. ومع تدمير آلاف المنازل والبنى التحتية خلال النزاعات، تراكمت أطنان من الركام داخل القطاع نفسه، مما يزيد الضغط على المكبات المحدودة.
إن نقل المخلفات من منطقة ذات موارد أفضل لإدارة النفايات إلى منطقة تعاني من نقص حاد في هذه الموارد، يمثل تحدياً بيئياً وإنسانياً إضافياً يثقل كاهل سكان القطاع. وتأتي أهمية تقرير هآرتس من كونه يسلط الضوء على جانب آخر من تأثير الصراع، يتجاوز الخسائر البشرية والمادية المباشرة ليشمل الأبعاد البيئية طويلة الأمد.
تفاصيل التقرير والممارسات المزعومة
وفقًا لصحيفة هآرتس، فإن عملية نقل المخلفات لم تكن مجرد حوادث فردية، بل كانت ممارسة منهجية أدت إلى إلقاء كميات كبيرة من المواد غير المرغوب فيها داخل الأراضي الفلسطينية. تشمل هذه المخلفات بشكل أساسي الركام الناتج عن هدم أو إصلاح المباني، بالإضافة إلى أنواع أخرى من النفايات. واستندت الصحيفة في تقريرها إلى:
- وثائق رسمية: تشير إلى وجود تعليمات أو موافقات لنقل هذه المواد.
- شهادات حية: من أفراد شاركوا في عمليات النقل أو شهدوها، مما يعزز مصداقية المزاعم.
تؤكد الشهادات أن هذه العمليات تركزت على نقل مخلفات من مستوطنات معينة في غلاف غزة تعرضت لأضرار، حيث تم جمع الركام وتحميله في شاحنات، ثم تفريغه داخل القطاع، غالباً في مناطق قريبة من الحدود أو في مواقع غير مخصصة رسمياً كمكبات نفايات داخل غزة.
الآثار البيئية والإنسانية
تثير هذه الممارسة قلقاً بالغاً على مستويات متعددة. بيئياً، يؤدي إلقاء مخلفات البناء والنفايات الأخرى بشكل عشوائي إلى:
- تلوث التربة والمياه الجوفية: قد تحتوي مخلفات البناء على مواد كيميائية ضارة أو معادن ثقيلة تتسرب إلى التربة ومن ثم إلى مصادر المياه الجوفية الشحيحة أصلاً في غزة، مما يجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري أو الزراعة.
- تدهور جودة الهواء: يمكن أن يؤدي تفتت هذه المخلفات إلى إطلاق جزيئات غبار دقيقة في الهواء، مما يؤثر على صحة الجهاز التنفسي للسكان.
- تدمير الموائل الطبيعية: يساهم الإلقاء العشوائي في تدمير النظم البيئية الهشة في المنطقة.
إنسانياً، يضاف هذا العبء البيئي إلى معاناة سكان غزة اليومية، حيث يواجهون بالفعل نقصاً حاداً في الغذاء والماء والدواء، وتدميراً واسع النطاق لمنازلهم وبناهم التحتية. يصبحون ضحايا لمشكلة نفايات لم يتسببوا فيها، مما يعرضهم لمخاطر صحية إضافية مثل انتشار الأمراض المنقولة عن طريق النفايات والقوارض.
ردود الفعل والتداعيات
من المتوقع أن يثير هذا التقرير ردود فعل واسعة من منظمات حقوق الإنسان والبيئة الدولية، فضلاً عن دعوات للتحقيق في هذه الممارسات. يمكن أن تُشكل هذه الأفعال انتهاكاً للقوانين البيئية الدولية وقد تُصنف ضمن الممارسات التي تزيد من تدهور الظروف المعيشية لسكان الأراضي المحتلة أو المحاصرة، مما يترتب عليه تداعيات قانونية وسياسية.
يُبرز التقرير الحاجة الملحة إلى معالجة شاملة لقضايا إدارة النفايات في المنطقة، مع التأكيد على مسؤولية جميع الأطراف في حماية البيئة وصحة السكان، خصوصاً في مناطق النزاع. كما يسلط الضوء على أهمية الشفافية والمساءلة في مثل هذه العمليات، وضرورة التزام القوات العسكرية بالمعايير البيئية والإنسانية، حتى في أوقات الصراع.
تُعد هذه المعلومات الصادرة عن صحيفة مرموقة مثل هآرتس بمثابة دعوة لإعادة تقييم الإجراءات المتبعة والتأكيد على ضرورة البحث عن حلول مستدامة لإدارة المخلفات تتماشى مع المعايير الدولية ولا تزيد من تفاقم الأزمات الإنسانية والبيئية القائمة.



