تلميحات ترامب لولاية ثالثة تثير جدلاً دستورياً وتساؤلات حول مستقبل نائبه
أثارت التصريحات المتكررة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال فترة رئاسته، والتي ألمح فيها إلى إمكانية أو رغبة في الترشح لولاية ثالثة، موجة واسعة من الجدل السياسي والقانوني في الولايات المتحدة. ورغم أن هذه التلميحات كانت تُقدَّم غالباً في إطار من المزاح خلال التجمعات الانتخابية، إلا أنها كانت كافية لإثارة قلق المراقبين بشأن احترام الأعراف الدستورية الراسخة، كما أنها طرحت تساؤلات حول نواياه المستقبلية وموقفه من خلافة نائبه آنذاك، مايك بنس.

الخلفية الدستورية: التعديل الثاني والعشرون
يكمن جوهر الجدل في نص واضح وصريح في الدستور الأمريكي. فبعد أن حطم الرئيس فرانكلين دي روزفلت التقليد بفوزه بأربع ولايات رئاسية، تم إقرار التعديل الثاني والعشرين للدستور في عام 1951، والذي يحدد بصرامة فترة الرئاسة بولايتين فقط. ينص التعديل على أنه "لا يجوز انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين". هذا القيد الدستوري ليس مجرد عرف سياسي، بل هو قانون ملزم يجعل فكرة الولاية الثالثة غير قانونية ومستحيلة التحقيق دون عملية معقدة لتعديل الدستور نفسه، وهو أمر شبه مستحيل عملياً.
تصريحات متكررة وسياقها السياسي
خلال فترة رئاسته، لا سيما في الفترة التي سبقت انتخابات عام 2020، أدلى ترامب بتعليقات عديدة حول البقاء في منصبه إلى ما بعد نهاية ولايته الثانية المحتملة. ففي مناسبات مختلفة، كان يرد على هتافات أنصاره "أربع سنوات أخرى!" بالقول مازحاً "لماذا لا تكون 12 أو 16 سنة؟". كما شارك منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى فكرة تمديد ولايته. كان أنصاره يرون في هذه التصريحات دليلاً على روح الدعابة لديه وتحدياً للمؤسسة السياسية التي يعارضها، بينما اعتبرها منتقدوه، بمن فيهم سياسيون ديمقراطيون وخبراء قانونيون، اختباراً خطيراً لحدود السلطة ومحاولة لتطبيع فكرة تجاهل القوانين الدستورية.
موقفه من سيناريو رئاسة نائبه
لم تكن تلميحات الولاية الثالثة مجرد تحدٍ للدستور، بل حملت في طياتها رسالة ضمنية حول مستقبله السياسي ومستقبل الحزب الجمهوري. فمن خلال التركيز المستمر على إمكانية بقائه في السلطة، قلل ترامب من أهمية النقاش حول من سيخلفه، بما في ذلك نائبه مايك بنس. هذا الأمر عكس رفضاً لفكرة انتقال السلطة بشكل تقليدي، حيث يُعتبر نائب الرئيس غالباً الخليفة الطبيعي للرئيس. وبدلاً من إعداد نائبه لتولي القيادة، رسخت تصريحات ترامب فكرة أنه هو المحور الوحيد للحركة السياسية التي يقودها، وأن أي سيناريو لا يشمله شخصياً هو سيناريو مرفوض أو ثانوي. وقد تجلى هذا الموقف بوضوح أكبر في وقت لاحق بعد انتخابات 2020 والأحداث التي تلتها، والتي أدت إلى قطيعة شبه كاملة بينه وبين بنس.
الأهمية والتداعيات
تكمن أهمية هذه التصريحات في أنها لم تكن مجرد زلات لسان، بل جزءاً من خطاب سياسي أوسع تحدى الأعراف الديمقراطية الأمريكية. لقد كشفت عن استعداد ترامب لتوظيف لغة تتجاوز الحدود الدستورية المتعارف عليها لتعزيز صورته كقائد فريد لا يخضع للقواعد التقليدية. بالنسبة للمشهد السياسي، أدت هذه التعليقات إلى تعميق الاستقطاب؛ فبينما رآها معارضوه دليلاً على ميوله الاستبدادية، اعتبرها مؤيدوه تعبيراً عن رغبتهم في استمرار سياساته. وفي المحصلة، تظل فكرة الولاية الثالثة مستحيلة دستورياً، لكن الجدل الذي أثارته لا يزال يتردد صداه في النقاشات حول مستقبل الديمقراطية الأمريكية وحدود السلطة الرئاسية.





