جدل في مصر بعد دعوة السيسي للتبرع لإعادة إعمار غزة
في منتصف شهر مايو 2021، وفي أعقاب وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه مصر لإنهاء القتال بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة، أثارت دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمواطنين بالتبرع لإعادة إعمار القطاع جدلاً واسعاً ومنقسماً في البلاد. هذه الدعوة، التي ترافقت مع تعهد حكومي بتقديم 500 مليون دولار للغرض نفسه، تحولت سريعاً إلى نقطة خلاف على وسائل التواصل الاجتماعي، كاشفةً عن التوترات العميقة بين طموحات السياسة الخارجية للدولة والواقع الاقتصادي المحلي الضاغط.

خلفية المبادرة وسياقها الزمني
أُطلقت المبادرة في 18 مايو 2021، مباشرة بعد انتهاء صراع عسكري استمر 11 يوماً وأسفر عن دمار واسع في قطاع غزة. لعبت مصر دوراً محورياً في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، واعتُبر التعهد المالي على نطاق واسع محاولة لترسيخ مكانتها كوسيط إقليمي فاعل وقائد في المنطقة. أعلنت الحكومة المصرية أن الشركات المصرية ستشارك في جهود إعادة الإعمار، وحث الرئيس السيسي المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني على المساهمة بسخاء في حسابات بنكية مخصصة لهذا الغرض.
انقسام واسع في الرأي العام
قوبلت الدعوة الرئاسية بردود فعل متناقضة بشدة. فمن جهة، أشاد المؤيدون، ومن بينهم شخصيات إعلامية بارزة ومقربة من الدولة، بالخطوة واعتبروها واجباً وطنياً وأخلاقياً. على سبيل المثال، خصص الإعلامي عمرو أديب فقرات من برنامجه الشهير لتشجيع التبرعات، واصفاً إياها بأنها امتداد لدور مصر التاريخي في دعم القضية الفلسطينية. رأى هذا الفريق أن مساعدة غزة واجب إنساني يتجاوز الشواغل المحلية ويعزز الدور القيادي لمصر.
في المقابل، سرعان ما ظهرت موجة من الانتقادات والاستياء، تركزت بشكل أساسي على منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك. عبر العديد من المصريين عن إحباطهم، معتبرين أن دعوة الجمهور للتبرع كانت في غير محلها بالنظر إلى التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد. لم يكن الاعتراض بالضرورة على مساعدة الفلسطينيين، بل على مطالبة الحكومة مواطنيها، الذين يعاني الكثير منهم من ضائقة مالية، بتحمل هذه التكلفة. وقد أجج هذا الشعور الإجراءات الاقتصادية التقشفية الأخيرة، بما في ذلك خفض الدعم وزيادة الضرائب، والتي أثرت على تكلفة المعيشة لملايين المواطنين.
أبرز أسباب الجدل
ترسخت ردود الفعل الشعبية المعارضة في عدة حجج رئيسية تم تداولها على نطاق واسع عبر الإنترنت:
- الأولويات الداخلية: كانت النقطة الأكثر شيوعاً هي أن "الأقربون أولى بالمعروف". حيث جادل المواطنون بأن على الحكومة إعطاء الأولوية لحل المشاكل المحلية الملحة مثل الفقر والبطالة وتدهور البنية التحتية والخدمات العامة قبل توجيه الأموال إلى الخارج.
- مسؤولية الدولة: تساءل الكثيرون عن سبب مطالبة الجمهور بالتبرع في حين أن الدولة قد خصصت بالفعل نصف مليار دولار. ورأوا أنه إذا كانت إعادة الإعمار هدفاً من أهداف سياسة الدولة الخارجية، فيجب على الدولة تمويلها بالكامل دون إثقال كاهل شعبها.
- مخاوف بشأن الشفافية: سادت مخاوف واسعة النطاق حول آليات جمع الأموال وإنفاقها. أثيرت تساؤلات حول الجهة التي ستدير الأموال وكيفية ضمان وصولها إلى سكان غزة وعدم تحويلها، نظراً للوضع السياسي المعقد وسيطرة حركة حماس على القطاع.
- الدوافع السياسية: رأى بعض المحللين والمواطنين أن المبادرة برمتها كانت خطوة علاقات عامة تهدف إلى تعزيز صورة الرئيس السيسي على الساحة الدولية وتأكيد نفوذ مصر الإقليمي، أكثر من كونها جهداً إنسانياً خالصاً.
التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي
تبلور الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال وسوم (هاشتاجات) متنافسة. فبينما روج المؤيدون لوسوم مثل #حياة_كريمة_لأهالينا_في_فلسطين، أطلق المنتقدون وسوماً مضادة مثل #فقراء_مصر_أولى و#ابدأ_بنفسك_يا_ريس، والتي تصدرت قائمة المواضيع الأكثر تداولاً لأيام وشكلت منصة للمواطنين للتعبير عن مظالمهم الاقتصادية ومعارضتهم للسياسة الحكومية.
في المحصلة، أبرز الجدل الذي أحاط بحملة التبرعات لغزة في مايو 2021 وجود فجوة كبيرة بين أهداف السياسة الإقليمية للحكومة والشواغل الاقتصادية المباشرة لشريحة واسعة من السكان المصريين. كما كان بمثابة مؤشر واضح على المزاج العام فيما يتعلق بالأولويات الداخلية، وأظهر كيف أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مساحة حيوية، وإن كانت مقيدة في بعض الأحيان، للتعبير عن الرأي ومناقشة السياسات الوطنية.





