حماس تؤكد موقفها الثابت: نزع سلاح المقاومة أمر غير قابل للتفاوض
جددت حركة حماس تأكيدها على موقفها الراسخ برفض أي مقترح يتضمن نزع سلاح جناحها العسكري، كتائب عز الدين القسام، معتبرةً أن هذا الأمر يمثل خطًا أحمر وغير قابل للنقاش في أي مفاوضات حالية أو مستقبلية. ويأتي هذا التأكيد المتكرر من قبل كبار قادة الحركة في وقت حاسم، تتزايد فيه الجهود الدبلوماسية الدولية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة ورسم ملامح الإدارة السياسية والأمنية للقطاع في مرحلة ما بعد الحرب.

خلفية الموقف وأبعاده التاريخية
لم يكن رفض حماس التخلي عن سلاحها وليد اللحظة، بل هو جزء لا يتجزأ من عقيدتها السياسية والعسكرية منذ تأسيسها. تعتبر الحركة جناحها العسكري ليس مجرد ميليشيا، بل جيش مقاومة وُجد للدفاع عن الشعب الفلسطيني ومواجهة ما تصفه بـ"الاحتلال الإسرائيلي". ومن هذا المنطلق، ترى أن التخلي عن السلاح قبل تحقيق الأهداف السياسية الكبرى، وعلى رأسها إقامة دولة فلسطينية مستقلة، هو بمثابة استسلام سياسي وتنازل عن أهم أوراق قوتها.
على مر السنوات، كان ملف السلاح هو العائق الأكبر أمام جهود المصالحة الفلسطينية الداخلية مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية. فبينما تصر السلطة على مبدأ "سلطة واحدة، قانون واحد، وسلاح شرعي واحد" تحت سيطرة الأجهزة الأمنية الرسمية، ترفض حماس دمج مقاتليها أو تسليم أسلحتها دون اتفاق سياسي شامل يضمن شراكتها الكاملة في النظام السياسي الفلسطيني.
التصريحات في ظل مفاوضات وقف إطلاق النار
في سياق المحادثات غير المباشرة الجارية بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة، أكد مسؤولون بارزون في حماس، مثل القيادي خليل الحية، في تصريحات متعددة خلال شهري مايو ويونيو 2024، أن سلاح المقاومة هو ضمانة لتنفيذ أي اتفاق وحماية للشعب الفلسطيني. وأوضحت الحركة أنها مستعدة للانخراط في مسار سياسي يفضي إلى دولة فلسطينية، لكنها لن تقبل بأن يكون نزع سلاحها شرطًا مسبقًا.
وتطرح حماس بديلاً يتمثل في إمكانية الانضمام إلى جيش وطني موحد في حال قيام دولة فلسطينية معترف بها دوليًا. إلا أن هذا الطرح يصطدم بالرؤية الإسرائيلية والأمريكية التي تضع تفكيك القدرات العسكرية لحماس كهدف أساسي للحرب وشرط لأي تسوية دائمة. هذا التباين الجذري في وجهات النظر حول مصير السلاح يمثل العقبة الرئيسية التي تعرقل تقدم المفاوضات نحو مرحلة الحل النهائي.
السلاح في سياق "اليوم التالي" للحرب
تتجاوز قضية سلاح حماس المفاوضات الحالية لتلقي بظلالها على كافة الخطط المقترحة لمستقبل غزة. تشترط القوى الدولية والإقليمية، بما في ذلك الولايات المتحدة والعديد من الدول العربية، أن تكون أي سلطة حاكمة مستقبلية في غزة منزوعة السلاح وخالية من الميليشيات لضمان الاستقرار وإفساح المجال أمام جهود إعادة الإعمار. وتعتبر هذه القوى أن وجود قوة عسكرية خارجة عن سيطرة الدولة الرسمية يقوض أي فرصة لتحقيق سلام مستدام.
من جهتها، ترى حماس أن هذه الشروط تهدف إلى تجريدها من قوتها وترك الساحة الفلسطينية خالية أمام النفوذ الإسرائيلي. وتصر على أن أي ترتيبات أمنية مستقبلية يجب أن تحترم "إرادة الشعب الفلسطيني ومقاومته"، وهو ما يعني في نظرها الحفاظ على هيكلها العسكري كقوة فاعلة على الأرض.
الأهمية والتداعيات
يمثل التمسك بسلاح المقاومة نقطة الخلاف الجوهرية التي تهدد بنسف أي تقدم دبلوماسي. وتتمثل التداعيات الرئيسية لهذا الموقف في النقاط التالية:
- استمرارية الصراع: يجعل الموقف التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار أمراً شبه مستحيل، حيث إن الهدف المعلن لإسرائيل من الحرب هو القضاء على قدرات حماس العسكرية، وهو ما يتعارض كلياً مع موقف الحركة.
 - تعقيد جهود إعادة الإعمار: تتردد الجهات المانحة الدولية في ضخ مليارات الدولارات لإعادة إعمار غزة في ظل سيطرة فصيل مسلح على القطاع، مما يهدد بتعميق الأزمة الإنسانية.
 - إعاقة الوحدة الوطنية: يبقى هذا الملف حجر عثرة أمام أي مصالحة فلسطينية حقيقية، مما يطيل أمد الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
 
في المحصلة، يظل مصير سلاح حماس السؤال الأكثر تعقيدًا وإلحاحًا، حيث تتوقف على إجابته ملامح مستقبل قطاع غزة، ومسار القضية الفلسطينية برمتها، وفرص تحقيق الاستقرار في المنطقة.




