حماس تعلن عدم نيتها المشاركة في إدارة غزة بعد الحرب
في ظل النقاشات المكثفة حول مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الحرب الحالية، برزت تصريحات من حركة حماس تشير إلى أنها لا تسعى للانفراد بحكم القطاع. وقد أكد مسؤولون في الحركة في مناسبات متعددة خلال الأسابيع الأخيرة أن حماس منفتحة على التوافق مع الفصائل الفلسطينية الأخرى لتشكيل إدارة جديدة لغزة، مما يمثل موقفًا لافتًا في خضم الصراع الدائر والمباحثات الإقليمية والدولية المعقدة.

خلفية الوضع
تسيطر حركة حماس على قطاع غزة منذ عام 2007، بعد جولات من الصراع الداخلي مع حركة فتح. ومنذ ذلك الحين، تولت الحركة مسؤولية إدارة الشؤون المدنية والحكومية في القطاع، بالإضافة إلى كونها فصيلاً مسلحاً يخوض صراعاً ممتداً مع إسرائيل. وقد أدت هذه السيطرة إلى فرض حصار إسرائيلي مصري على القطاع، مما فاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية على مدار السنوات الماضية.
ومع اندلاع الحرب الحالية في أكتوبر 2023، أعلنت إسرائيل أن أحد أهدافها الرئيسية هو القضاء على قدرات حماس العسكرية والحكومية في غزة، مما طرح تساؤلات جوهرية حول من سيحكم القطاع في "اليوم التالي" للحرب.
التصريحات والمواقف الأخيرة لحماس
على عكس صورتها كحاكم أوحد للقطاع، قدمت حماس عبر قادتها السياسيين، مثل أسامة حمدان وغازي حمد، رؤية أكثر مرونة لمستقبل الإدارة في غزة. وتتلخص مواقف الحركة المعلنة في النقاط التالية:
- رفض الانفراد بالحكم: أكدت الحركة أنها لا ترغب في أن تكون الحاكم الوحيد لغزة بعد الحرب، معتبرة أن هذه المرحلة تتطلب توافقًا وطنيًا شاملاً.
 - الدعوة إلى حكومة وحدة وطنية: اقترحت حماس تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة تكنوقراط فلسطينية تتولى إدارة القطاع والضفة الغربية والإشراف على إعادة الإعمار والتحضير لانتخابات عامة.
 - القرار فلسطيني: تشدد الحركة على أن مستقبل حكم غزة هو شأن فلسطيني داخلي، رافضة أي ترتيبات تُفرض من الخارج، سواء من إسرائيل أو من القوى الدولية.
 - جزء من النسيج الوطني: ترى حماس نفسها جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية، وتطالب بأن تكون شريكة في أي ترتيبات سياسية مستقبلية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد إعادة هيكلتها.
 
تأتي هذه التصريحات في سياق مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى التي تتوسط فيها كل من مصر وقطر، حيث يُعتقد أن مستقبل الحكم في غزة يمثل أحد بنود النقاش غير المباشرة.
ردود الفعل والمواقف الأخرى
تتباين مواقف الأطراف الرئيسية الأخرى بشكل كبير مع رؤية حماس. فمن جانبه، يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ضرورة "اجتثاث حماس" ومنعها من لعب أي دور عسكري أو سياسي في غزة مستقبلاً، مع الاحتفاظ بسيطرة أمنية إسرائيلية كاملة على القطاع. أما الولايات المتحدة، فتدعم فكرة تولي "سلطة فلسطينية متجددة" زمام الأمور في غزة، وهو ما ترفضه إسرائيل بشدة في ظل تركيبة السلطة الحالية.
بدورها، تبدي السلطة الفلسطينية في رام الله استعدادها للعودة إلى غزة، لكنها تشترط أن يكون ذلك ضمن إطار حل سياسي شامل يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967. هذا التباين الحاد في المواقف يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق مقبول من جميع الأطراف.
الأهمية والسياق السياسي
تكتسب مواقف حماس المعلنة أهميتها من كونها قد تمثل تحولاً تكتيكياً يهدف إلى عدة أمور. أولاً، تسعى الحركة من خلالها إلى تقديم نفسها كطرف سياسي مرن يمكن التعامل معه، وذلك في محاولة لكسر العزلة الدولية المفروضة عليها. ثانيًا، قد تكون هذه التصريحات رسالة موجهة للداخل الفلسطيني بأن الحركة لا تتمسك بالسلطة، بل تسعى لتحقيق الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات الكبرى. وأخيرًا، تعتبر هذه المواقف ورقة تفاوضية في المحادثات الجارية، حيث تحاول حماس ضمان بقائها كقوة سياسية فاعلة في المشهد الفلسطيني حتى لو تخلت عن الحكم المباشر.
يبقى مستقبل حكم قطاع غزة رهناً بمسار الحرب ونتائج المفاوضات. ورغم إعلان حماس استعدادها للتخلي عن الحكم المنفرد، فإن الفجوة بين رؤيتها ورؤى الأطراف الفاعلة الأخرى، وعلى رأسها إسرائيل، لا تزال واسعة وتشكل العقبة الأكبر أمام تحقيق أي استقرار طويل الأمد في المنطقة.




