حماس تعلن موافقتها على تولي وزير من السلطة الفلسطينية إدارة غزة
أكد قيادي بارز في حركة حماس، الثلاثاء، أن الحركة أبدت موافقتها على إسناد مهمة إدارة قطاع غزة إلى وزير منبثق عن السلطة الفلسطينية. يأتي هذا الموقف، الذي صرح به موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحماس، بدافع "إعلاء لمصلحة الشعب الفلسطيني"، مما يشير إلى تحول محتمل في نهج الحركة تجاه مستقبل القطاع الذي شهد دمارًا واسعًا وصراعًا مستمرًا. يمثل هذا الإعلان نقطة محورية في النقاشات الجارية حول كيفية حكم غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية، ويفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة لإعادة توحيد الإدارة الفلسطينية.

الخلفية التاريخية والانقسام
لطالما كانت قضية حكم قطاع غزة مركز جدل وصراع داخلي فلسطيني وإقليمي. فمنذ عام 2007، سيطرت حركة حماس بالكامل على القطاع بعد اشتباكات مع حركة فتح، التي تشكل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية التي تتخذ من الضفة الغربية مقرًا لها. أدى هذا الانقسام السياسي والجغرافي إلى تعقيد الجهود الدولية والمحلية لتحقيق حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وترك سكان غزة يعانون من حصار وتدهور مستمر في الظروف المعيشية. فشلت عدة محاولات للمصالحة بين حماس وفتح في تحقيق وحدة حقيقية، مما أبقى على إدارتين منفصلتين للأراضي الفلسطينية.
تولى وزير من السلطة الفلسطينية إدارة غزة يعني نظريًا عودة جزء من الإدارة الشرعية المعترف بها دوليًا إلى القطاع، مما قد يمهد الطريق لإعادة إعماره وتخفيف معاناة سكانه. ومع ذلك، فإن التفاصيل التنفيذية لهذا الترتيب ومدى الصلاحيات الممنوحة لهذا الوزير ستبقى محط تدقيق وتحدي كبير.
التطورات الأخيرة ومقترحات "اليوم التالي"
تكتسب هذه التصريحات أهمية بالغة في خضم الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن خسائر بشرية ومادية فادحة، وأثارت دعوات دولية متزايدة لوضع خطة واضحة لما بعد الحرب، أو ما يُعرف بـ "اليوم التالي". دعت العديد من الدول الفاعلة، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية، إلى ضرورة إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة غزة كجزء من رؤية أوسع لحل الدولتين. إلا أن إسرائيل رفضت بشكل قاطع أي دور لحماس في مستقبل غزة، وأبدت تحفظات على الدور الكامل للسلطة الفلسطينية بصيغتها الحالية.
تنوعت المقترحات الدولية بشأن إدارة غزة ما بعد الحرب، وشملت خيارات مثل:
- إدارة انتقالية دولية.
- إدارة عربية مشتركة.
- عودة السلطة الفلسطينية بشكل كامل أو جزئي.
- إدارة محلية بمساعدة خارجية.
يعكس إعلان حماس استعدادها لقبول وزير من السلطة الفلسطينية مرونة قد تكون ناجمة عن الضغوط المتصاعدة والواقع المرير الذي يعيشه القطاع، وربما محاولة لاستباق أي ترتيبات دولية لا تراها الحركة في مصلحتها.
تصريح حماس وأهميته
يُعد هذا التصريح، الصادر عن قيادي رفيع المستوى مثل موسى أبو مرزوق، ذا دلالات هامة. فهو يمثل إشارة واضحة من حماس بأنها قد تكون مستعدة للتنازل عن السيطرة الإدارية المطلقة على غزة، على الأقل في الجانب المدني، لصالح كيان يمثل السلطة الفلسطينية. الدافع المعلن هو "مصلحة الشعب"، وهو ما يمكن تفسيره كاعتراف بالحاجة الملحة لإعادة الإعمار والاستقرار، وربما وسيلة لفك العزلة الدولية عن القطاع وجلب الدعم المالي والإنساني اللازم.
إن قبول حماس بمثل هذا الترتيب قد يعني اعترافًا ضمنيًا بشرعية السلطة الفلسطينية في غزة، وإن كان على مستوى وزاري محدد، وقد يشكل خطوة أولى نحو إعادة دمج غزة في هيكل إداري فلسطيني أوسع. ومع ذلك، تبقى العديد من الأسئلة دون إجابة، مثل طبيعة صلاحيات هذا الوزير، وكيفية التنسيق مع حماس، وما إذا كان هذا يمثل تغييرًا جذريًا في استراتيجية حماس أم مجرد تكتيك مرحلي.
ردود الفعل المتوقعة والتحديات
من المتوقع أن يثير هذا التصريح ردود فعل متباينة على المستويات الفلسطينية والإسرائيلية والدولية:
- السلطة الفلسطينية: قد تنظر إليها كفرصة لاستعادة جزء من نفوذها في غزة، ولكنها ستطالب بضمانات حول الصلاحيات والأمن، وتجنب أن تكون مجرد واجهة لحكم حماس. قد تضع شروطًا لعودتها، مثل انسحاب إسرائيلي كامل ووجود خطة دولية داعمة.
- إسرائيل: من المرجح أن تتعامل إسرائيل مع هذا الاقتراح بحذر شديد، وربما بالرفض إذا لم يتضمن تفكيكًا كاملاً للقدرات العسكرية لحماس. موقفها المعلن هو عدم قبول عودة حماس إلى الحكم بأي شكل.
- المجتمع الدولي: قد ينظر إليه كخطوة إيجابية نحو حل أزمة غزة وتوحيد الإدارة الفلسطينية، مما قد يشجع على تقديم المزيد من الدعم. ومع ذلك، ستبقى المطالب بضمانات أمنية وتفكيك قدرات حماس العسكرية قائمة.
أما التحديات التي تواجه تطبيق مثل هذا الترتيب فهي جسيمة وتشمل:
- الأمن: من سيتولى الجانب الأمني في غزة؟ وكيف سيتم التعامل مع وجود فصائل مسلحة؟
- الشرعية: كيف سيكتسب الوزير الجديد الشرعية الكاملة في ظل استمرار الانقسام؟
- إعادة الإعمار: تتطلب جهود إعادة الإعمار الهائلة تنسيقًا دوليًا وموارد ضخمة، وهذا يتطلب إدارة موحدة وموثوقة.
- موقف إسرائيل: يبقى الموقف الإسرائيلي حاسمًا في أي ترتيبات مستقبلية لغزة.
السياق الأوسع
إن أي تحول في إدارة غزة له تداعيات أوسع على القضية الفلسطينية برمتها. فتوحيد الإدارة بين الضفة الغربية وقطاع غزة يُعد خطوة أساسية نحو تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة وذات سيادة. قد يمثل هذا الإعلان، إذا ما تم البناء عليه بجدية، بارقة أمل في خضم اليأس، وقد يعيد الزخم للجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق سلام شامل في المنطقة. ومع ذلك، فإن الطريق إلى تحقيق ذلك لا يزال محفوفًا بالعقبات السياسية والأمنية العميقة.





