خطة حماس لمستقبل غزة: حديث عن حكومة وحدة وطنية وتغيير في الموقف السياسي
في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، تتزايد النقاشات الدولية والإقليمية حول مستقبل إدارة القطاع في "اليوم التالي" لانتهاء الصراع. وفي هذا السياق، طرحت حركة حماس رؤيتها السياسية للمرحلة المقبلة، والتي تشير إلى تحول محتمل في استراتيجيتها بعيدًا عن الحكم المنفرد للقطاع الذي سيطرت عليه منذ عام 2007.

ملامح الرؤية السياسية الجديدة لحماس
عبر تصريحات متعددة لمسؤولين بارزين في الحركة خلال الأشهر الأولى من عام 2024، تبلورت ملامح خطة ترتكز بشكل أساسي على التوافق الوطني الفلسطيني. جوهر هذه الرؤية هو تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة تكنوقراط فلسطينية، لا تكون تابعة لحماس أو أي فصيل آخر، وتتولى الإشراف على إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية محددة.
وفقًا للتصريحات، ستكون المهام الرئيسية لهذه الحكومة المقترحة كما يلي:
- الإشراف الكامل على عملية إعادة إعمار ما دمرته الحرب في قطاع غزة.
- توحيد المؤسسات الحكومية بين الضفة الغربية وقطاع غزة وإنهاء حالة الانقسام.
- التحضير لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية شاملة تضمن مشاركة جميع الفلسطينيين.
كما أكدت الحركة في أكثر من مناسبة أنها لا تسعى للاستمرار في حكم غزة بمفردها، وأن مستقبل القطاع هو شأن داخلي يقرره الفلسطينيون بأنفسهم، رافضة أي سيناريوهات لفرض وصاية دولية أو عربية على القطاع.
خلفية الانقسام ومواقف سابقة
لفهم أهمية هذا الطرح، لا بد من العودة إلى جذور الانقسام الفلسطيني. فبعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، نشأ صراع سياسي وعسكري مع حركة فتح، بلغ ذروته في صيف 2007 بسيطرة حماس الكاملة على قطاع غزة، بينما استمرت السلطة الفلسطينية بقيادة فتح في إدارة أجزاء من الضفة الغربية. منذ ذلك الحين، ترسخ الانقسام السياسي والجغرافي، وفشلت جميع محاولات المصالحة السابقة في تحقيق وحدة حقيقية.
كانت إدارة حماس المنفردة لغزة على مدى السنوات الماضية محور انتقاد دولي وإقليمي، وسببًا رئيسيًا للحصار المفروض على القطاع. لذلك، يمثل حديث الحركة اليوم عن حكومة توافق وطني والتخلي عن فكرة الحكم المنفرد تحولاً لافتاً قد يفتح الباب أمام سيناريوهات سياسية جديدة إذا ما توفرت الظروف المناسبة لتطبيقه.
التطورات الأخيرة والانضمام لمنظمة التحرير
من أبرز التطورات في موقف حماس هو إبداء مرونة كبيرة تجاه الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، التي تعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في المحافل الدولية. صرح مسؤولون في الحركة، مثل القيادي البارز خليل الحية، بأن حماس مستعدة للانضمام إلى المنظمة في إطار عملية إعادة هيكلة شاملة لها لتضم جميع الفصائل الفلسطينية.
ويمثل هذا الموقف خطوة مهمة، حيث كانت حماس تاريخيًا خارج إطار المنظمة. كما أشار الحية إلى استعداد الحركة للموافقة على قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 مع عودة اللاجئين، وإمكانية إلقاء سلاح جناحها العسكري ودمجه في جيش وطني في حال تأسست هذه الدولة، وهي تصريحات تحمل دلالات سياسية عميقة.
الأهمية والتحديات المستقبلية
تكمن أهمية هذه الرؤية في أنها تقدم مخرجًا محتملاً للأزمة السياسية الفلسطينية الداخلية، وتضع تصورًا واضحًا لمرحلة ما بعد الحرب يرتكز على الوحدة الوطنية. يمكن لهذا الطرح، إذا ما قوبل بتجاوب من الفصائل الأخرى والمجتمع الدولي، أن يمهد الطريق لتوحيد الموقف الفلسطيني وتعزيز الشرعية السياسية لأي حكومة مستقبلية.
ومع ذلك، تواجه هذه الخطة تحديات هائلة. أولها هو الموقف الإسرائيلي والأمريكي الذي يرفض رفضًا قاطعًا أي دور سياسي لحماس في مستقبل غزة. وثانيها هو انعدام الثقة العميق بين حركتي حماس وفتح، والذي تراكم على مدى سنوات من الانقسام. وأخيرًا، تبقى العقبة الأكبر هي كيفية ترجمة هذه الأفكار السياسية إلى واقع ملموس على أرض دمرتها الحرب وتخضع لحسابات إقليمية ودولية معقدة.





