غياب نتنياهو عن قمة السلام المصرية: ضغوط داخلية ومخاوف دبلوماسية وراء تراجعه
في خطوة عكست التوترات الدبلوماسية العميقة في المنطقة، اتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قراراً بعدم المشاركة في "قمة القاهرة للسلام" التي استضافتها مصر في أواخر أكتوبر 2023. جاء هذا القرار بعد تقارير أولية أشارت إلى إمكانية حضوره، مما أثار تساؤلات حول الأسباب التي دفعته للتراجع عن المشاركة في هذا المحفل الدولي الهام الذي سعى إلى احتواء الصراع المتصاعد في قطاع غزة.
سياق القمة وأهدافها
عُقدت "قمة القاهرة للسلام" بدعوة من القيادة المصرية كاستجابة عاجلة للتصعيد العسكري الذي بدأ عقب هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وما تلاه من عمليات عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق في قطاع غزة. هدفت القمة، التي شهدت حضوراً واسعاً من قادة وممثلي الدول العربية والأوروبية، إلى بحث سبل وقف إطلاق النار، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة، وإعادة إحياء المسار السياسي لحل القضية الفلسطينية.
الأسباب الرئيسية لرفض المشاركة
كشفت مصادر إعلامية إسرائيلية ودولية متعددة أن قرار نتنياهو بالغياب لم يكن وليد اللحظة، بل استند إلى مجموعة معقدة من الحسابات السياسية والاستراتيجية. وتتضمن الدوافع الرئيسية ما يلي:
- المخاوف من البيان الختامي: كان الهاجس الأكبر لدى الحكومة الإسرائيلية هو أن البيان الختامي للقمة لن يتضمن إدانة صريحة وواضحة لهجوم حماس باعتباره عملاً إرهابياً. وبدلاً من ذلك، خشيت إسرائيل من أن يركز البيان على دعوات عامة لوقف إطلاق النار، وهو ما كانت ترفضه بشدة في تلك المرحلة، معتبرة أن ذلك سيمنح حماس فرصة لإعادة تنظيم صفوفها. كما كان هناك قلق من تبني القمة لخطاب يساوي بين "الطرفين"، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع.
- الضغوط السياسية الداخلية: واجه نتنياهو ضغوطاً هائلة من شركائه في الائتلاف الحكومي، خاصة من أحزاب اليمين المتطرف بزعامة شخصيات مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش. كان أي ظهور لنتنياهو في قمة تدعو لضبط النفس أو تقدم أي تنازلات دبلوماسية سيُعتبر خيانة للمجهود الحربي وقد يهدد استقرار حكومته في وقت حرج.
- التركيز على الأهداف العسكرية: في تلك الفترة، كانت الأولوية المطلقة لمجلس الحرب الإسرائيلي هي التحضير للعملية البرية في غزة وتنفيذ الأهداف العسكرية المعلنة، وعلى رأسها القضاء على قدرات حماس العسكرية والسياسية. ومن هذا المنطلق، كان يُنظر إلى المشاركة الدبلوماسية في قمة سلام على أنها خطوة تتعارض مع الاستراتيجية العسكرية وتُضعف من رسالة الحزم التي أرادت إسرائيل إيصالها.
- غياب القادة الغربيين الرئيسيين: لعب غياب قادة الدول الكبرى، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي، دوراً في تقليل الأهمية الاستراتيجية للقمة من وجهة نظر إسرائيل. ففي غياب الضامن الأمريكي أو حضور غربي رفيع المستوى يمكن أن يوجه نتائج القمة لصالحها، رأت حكومة نتنياهو أن المشاركة قد تحمل مخاطر دبلوماسية تفوق فوائدها المحتملة.
الأهمية والتداعيات
أبرز غياب نتنياهو عن القمة الهوة الكبيرة في المواقف بين إسرائيل والعديد من دول المنطقة والمجتمع الدولي بشأن كيفية التعامل مع الأزمة. كما أكد القرار على استراتيجية إسرائيل التي أعطت الأولوية للحل العسكري على المساعي الدبلوماسية في أعقاب هجمات أكتوبر. وقد عكس هذا الموقف حالة من العزلة الدبلوماسية النسبية لإسرائيل في تلك الفترة، حيث وجدت صعوبة في حشد تأييد دولي مطلق لعملياتها العسكرية الواسعة في غزة، خاصة مع تفاقم الأزمة الإنسانية.





