قانون الإيجار القديم: تحديات الطرد تهدد آلاف الأسر وحسم قضائي مرتقب
يشهد ملف قانون الإيجار القديم في مصر تطورات مفصلية، حيث يواجه آلاف الأسر خطر الطرد من مساكنها، وذلك في ظل التعديلات التشريعية الأخيرة التي تهدف إلى إعادة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. وقد دخلت هذه القضية مرحلة حاسمة مع تصديق الرئيس مؤخراً على القانون رقم 164 لسنة 2025، بالإضافة إلى اعتماد الحكومة لآليات تنفيذية جديدة.

الخلفية التاريخية والتحديات المستمرة
تعود جذور قانون الإيجار القديم إلى منتصف القرن الماضي، حيث صدرت تشريعات تهدف في الأساس إلى حماية المستأجرين وتوفير سكن بأسعار معقولة، خصوصاً في أوقات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. أبرز هذه القوانين شملت القانون رقم 49 لسنة 1977 والقانون رقم 136 لسنة 1981، التي كرست مبدأ تجميد الإيجارات والعقود طويلة الأمد، مما أدى فعلياً إلى تحول العقود إلى شبه توريثية في بعض الحالات.
على الرغم من النوايا الحسنة لهذه التشريعات، إلا أنها خلقت على مر العقود فجوة هائلة بين القيمة الإيجارية المتدنية جداً للعقارات القديمة والقيمة السوقية الحقيقية لها. هذا التباين أدى إلى تضرر بالغ للمؤجرين الذين لم يتمكنوا من الاستفادة من ممتلكاتهم أو حتى تغطية تكاليف صيانتها وتطويرها، مما ساهم في تدهور العديد من المباني القديمة. في المقابل، اعتمد آلاف المستأجرين على هذه الإيجارات المنخفضة، وخاصة الأسر محدودة الدخل وكبار السن، مما يجعل أي تغيير مفاجئ يمثل تهديداً وجودياً لسكنهم.
حاولت الدولة معالجة هذا الخلل جزئياً عبر القانون رقم 4 لسنة 1996، الذي حرر العلاقة الإيجارية للعقود الجديدة وجعلها تخضع لأحكام القانون المدني، إلا أن العقود المبرمة قبل هذا التاريخ ظلت تخضع للقانون القديم، مما أبقى على المشكلة قائمة وتفاقم من حدة الاستقطاب بين طرفي العلاقة الإيجارية.
التطورات التشريعية الأخيرة: القانون رقم 164 لسنة 2025
في خطوة تعد الأكثر أهمية مؤخراً، صدق الرئيس على القانون رقم 164 لسنة 2025، والذي يمثل نقطة تحول حاسمة في ملف قانون الإيجار القديم. يهدف هذا القانون إلى تنظيم العلاقة الإيجارية بشكل شامل، مع مراعاة حقوق الطرفين. على الرغم من أن التفاصيل الكاملة لآلياته التنفيذية لا تزال قيد الإعداد الحكومي، إلا أنه من المتوقع أن يشتمل على عدة بنود رئيسية، منها:
- تحديد آليات لزيادة تدريجية في القيمة الإيجارية للعقود الخاضعة للقانون القديم، بهدف الوصول إلى القيمة السوقية العادلة على مدار فترة انتقالية.
- وضع شروط واضحة لإنهاء العلاقة الإيجارية في حالات محددة، مع الأخذ في الاعتبار الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمستأجرين.
- إقرار فترات سماح انتقالية تتيح للمستأجرين وقتاً كافياً للبحث عن بدائل سكنية أو التكيف مع التكاليف الجديدة.
- ربما يتضمن القانون أحكاماً خاصة لوحدات معينة (سكنية أو غير سكنية، أو تلك المؤجرة لأشخاص اعتباريين) لتسهيل تطبيق التعديلات.
جاء هذا القانون بعد سنوات من النقاش المجتمعي والقانوني، محاولاً تحقيق توازن دقيق بين حق الملكية للمؤجرين وحق السكن للمستأجرين، مع التأكيد على ضرورة إنهاء تشوهات السوق العقاري.
الآثار والتداعيات المحتملة على الأطراف المعنية
على المستأجرين
يشكل القانون الجديد مصدراً للقلق الشديد لآلاف الأسر، خاصة تلك التي تعيش في وحدات الإيجار القديم. يبرز خطر الطرد كأحد أبرز التحديات، حيث قد يجد الكثيرون أنفسهم أمام ضرورة إخلاء مساكنهم بعد انتهاء الفترات الانتقالية، أو مواجهة زيادات إيجارية قد تفوق قدرتهم المالية على السداد. هذا الأمر قد يؤدي إلى تفاقم مشكلة الإسكان وتشريد بعض الأسر في حال عدم وجود بدائل ميسورة التكلفة.
على المؤجرين
على الجانب الآخر، يرى المؤجرون في هذا القانون بارقة أمل لاستعادة حقوقهم في ممتلكاتهم. سيمكنهم القانون من استعادة السيطرة على عقاراتهم، أو على الأقل تحقيق عائد إيجاري عادل يتناسب مع قيمة العقار السوقية. من المتوقع أن يشجع هذا الأمر على الاستثمار في صيانة العقارات القديمة وتجديدها، مما قد يساهم في تحسين المشهد العمراني.
على سوق العقارات
قد يؤدي تطبيق القانون إلى تحريك سوق العقارات بشكل ملحوظ. فزيادة الوحدات المتاحة للإيجار بالسعر السوقي قد تساهم في زيادة العرض، مما قد يؤثر على استقرار الأسعار على المدى الطويل. كما أن توضيح الإطار القانوني للعلاقات الإيجارية يمكن أن يعزز الثقة في السوق العقاري ويشجع الاستثمار فيه.
الدور القضائي المرتقب وحسم الأمر
مع دخول التعديلات حيز التنفيذ، يصبح دور القضاء محورياً في حسم الأمر وتفسير بنود القانون رقم 164 لسنة 2025. يتوقع أن يشهد القضاء موجة من الدعاوى القضائية المتعلقة بالإخلاء وتحديد القيمة الإيجارية، مما يستدعي تفسيراً دقيقاً وواضحاً من المحاكم للوصول إلى أحكام عادلة. كما أن هناك احتمالية لرفع دعاوى طعن دستورية على بعض بنود القانون، مما قد يؤثر على مسار تطبيقه. إن الفقه القضائي الذي سيتطور حول هذا القانون سيكون له تأثير كبير على مصير آلاف الأسر والممتلكات في السنوات القادمة.
لماذا يهم هذا الخبر؟
تكمن أهمية هذا الخبر في تأثيره المباشر على حياة ملايين المواطنين، سواء كانوا مستأجرين أو مؤجرين. إنه يعالج قضية اجتماعية واقتصادية معقدة ظلت عالقة لعقود طويلة، محاولاً تحقيق العدالة بين أطراف العلاقة الإيجارية. إن نجاح تطبيق هذا القانون سيعتمد بشكل كبير على دقة الآليات التنفيذية، ومرونة التعامل القضائي، والقدرة على توفير بدائل سكنية مناسبة للأسر المتضررة، لضمان انتقال اجتماعي سلس وعادل.





